للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخذ بهذا المعيارِ كثيرٌ من العلماء في تمييز الروايات الموضوعةِ من الأحاديث الصحيحة إذا خالف الحديث لما جاءت به السنةُ الصريحة والسنةُ المعلومة، والفعل الجاري مجرى السنة كما بينه ابن القيم والخطيب البغدادي وغيرهما (١).

ولقد أطلق الأستاذ المفكر المرحوم السيد أبو الأعلى المَوْدوُدي الباكستاني على العلماء الذين وهبهم اللهُ تعالى التفقه والوعي في البحث عن دراسة القرآن والسيرة بحثًا عميقًا دقيقًا، والذين أجابوا عن المسائل المختلفة بآرائهم واجتهاداتهم وفقًا لفهمهم الإسلامي تعبيرَ "مزاج شناس رسول" أي الذي يعرف مزاج الرسول حق المعرفة أو بعبارة أخرى الذي أُشْرِبَ قلبُه مزاج الرسول. فكأن هذا العالم - على ما قاله المودودي - يرى بعين النبي ويتكلم بلسانه، فيحصل عنده حدس إلى درجة أنه يستطيع أن يميز الرواياتِ السقيمةَ من الروايات الصحيحة بسهولة مستندًا لهذه الملكة.

قلت: السيدة عائشة أحقُّ الناس بهذه الصفة التي حملتها على أن تقول حينما رأت بعض تغيرات في أحوالِ النساء في المدينة المنورة: "لو أدرك النبيُّ ما أحدث النساءُ لَمَنَعَهن المسجد كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل" (٢).

وهذا الخبرُ دليل واضح على معرفة أم المؤمنين بالرسولِ وأحواله معرفة حقًّا، وهي التي تجعلها تقول: "لو أدرك النبيُّ. . . لفعل


(١) انظر: المنار المنيف لابن القيم، ص ٥٦، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٤٧٢.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان (٨٦٩) ومسلم في الصلاة (٩٩٩)، وأحمد (٢٤٦٠٢) و (٢٥٦١٠) ومالك في القبلة ص ١٢.