للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ز -

يفصِّلُ مُجْمَلَهُ، ويُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ ويُخصِّصُ عامَّه، ويَنْفَرِدُ بأحكامٍ مُستنبَطة من المعاني الكلِّية التي فيه، يُحقِّقُ نُصوصَها، ويُجلِّي كُنُوزَهَا، وَيُيَسِّرُ الانتفاعَ بها، ويَنْفِي عنها تَحْرِيفَ الغَالِيْنَ، وانتحالَ المُبْطِلِينَ، وتأويلَ الجاهِليْنَ.

وبعد، فإن ما انتهتْ إليه السيدةُ عائشةُ مِن استدراكاتها على مرويات بعضِ الصحابة، وتخطئتهم فيما قالوه، معتمدةً على المنهجِ الذي فَصَّلَ فيه القولَ صاحبُنا الدكتورُ محمد بنيامين في مقدمته لا يُعَدُّ القَوْلَ النِّهائيَّ في نقدِ المرويات من جهة النص، بل هو النموذجُ الأمثل الذي يَصْلُح أن يُحتذَى، ويُعتمد عليه في نقدِ المتن يُتيحُ للنبغةِ مِن أهلِ الاختصاصِ الذين عَمَرَتْ قلوبُهم بالتقوى، وإخلاصِ النية، والتجرُّدِ مِن الهوى والعصبية على مَدَى العُصُورِ، وإن كانوا قِلَّة، أن يستدرِكُوا عددًا مِن الأحاديث كما صَنَعَتْ عائشة ينتقدونَها ويَحْكُمُون عليها بمقتضى المقاييس المعتبرة، فيجزِمون بنفي صُدُورها عن رسول الله ، فكم أبقى المتقدمُ للمتأخرِ، والسابقُ لللاحقِ، والسلفُ للخَلَفِ.

ولا ينبغي للمحدِّث المتخصِّصِ أن يكتفيَ بظاهرِ سلامةِ الإسنادِ دُونَ أن يُمْعِنَ النظر في متن الحديث، أو يغفلَه كُلَّ الإغفال، فقد صرَّحَ أَهْلُ العِلْم بأنه ليس كُلُّ حديثٍ صَحَّ سندُه، صحَّ متنه، فإذا حكم المحدِّثُ على إسنادِ حديثٍ قد استوفى شُروطَ الصِّحة، فلا يعني أن مَتْنَهُ صحيحٌ، بل قد يكونُ صحيحًا، وقد يكُونُ غيرَ صحيح، فإِنَّ الراويَ الثقةَ غَيْرَ المعصومِ مهما بَلَغَ مِن الحفظِ والإتقانِ والضبط، لا يَبْعُد وقوعُه في الخطأِ والوَهْمِ، فيرفعَ الموقوفَ، أو يصِلَ المقطوع، أو يقعَ له الوهمُ والنَّسيان مما يجعل بعض حديثه مناقضًا للأصولِ القطعيةِ المعتدِّ بها عندَ الأئمة، فيُحْكَمُ عليه بالبُطلانِ، ومن هذه الأحاديثِ المنتقَدةِ التي وصِفَت أسانيدُها بالصِّحَّةِ وحَكَمَ عليها الأئمةُ بالبُطلانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>