للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبين الشيخ - رحمه الله -: " أن الفطر السليمة قد شهدت بذلك أيضاً، فإن الخلق جميعاً يرفعون أكفهم إلى السماء عند الدعاء بمقتضى فطرهم وبدافع قوي من طباعهم التي لم يدخلها إلحاد، ولم ينحرف بها عن جادة الحق تمويه ولا تلبيس، ويقصدون جهة العلو بقلوب كلها خشوع وضراعة إلى الله راجين أن يتقبل أعمالهم، ويستجيب دعاءهم، ويسبغ عليهم نعمه، ويعمهم بفضله وإحسانه" (١).

"وقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي (٢) أن الشيخ أبا جعفر الهمداني (٣)

حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني (٤) المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر الهمداني: أخبِرنا يا أُسْتَاذُ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف نرفع الضرورة عن أنفسنا، قال: فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل! وأظنه قال: وبكى! وقال: حيرني الهمداني حيرني، وكأن الشيخ أبا جعفر أراد أن هذا أمر فطري، فطر الله عليه عباده من


(١) ينظر: مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - (ص ٨).
(٢) هو: محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، أبو الفضل: رحالة مؤرخ، من حفاظ الحديث. مولده ببيت المقدس سنة (٤٤٨ هـ) ووفاته ببغداد سنة (٥٠٧ هـ). له كتب كثيرة منها: تاريخ أهل الشام ومعرفة الأئمة منهم والأعلام -مجلدان-، ومعجم البلاد -جزآن-، وتذكرة الموضوعات، والأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط، وأطراف الكتب الستة، وغيرها.
ينظر: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان للخلكان (١/ ٤٨٦)، ميزان الاعتدال (٣/ ٧٥)، لسان الميزان (٥/ ٢٠٧)، الأعلام (٦/ ١٧١).
(٣) هو: أبو جعفر محمد بن أبي علي الحسن بن محمد بن عبد الله الهمذاني، ولد بعد الأربعين وأربع مئة، كان من أئمة أهل الأثر، ومن كبراء الصوفية، توفي سنة (٥٣١ هـ).

ينظر: السير (٢٠/ ١٠١)، طبقات السبكي (٥/ ١٩٠).
(٤) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي، أبو المعالي، المعروف بإمام الحرمين، من كبار الأشاعرة وأعلامهم، من مؤلفاته: الإرشاد في أصول الاعتقاد، الشامل في أصول الدين، لمع الأدلة، وغيرها. توفي سنة (٤٦٨ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٤٦٨)، شذرات الذهب (٣/ ٣٥٨).

<<  <   >  >>