للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن يتلقوه عن المرسلين، ويجدون في قلوبهم طلباً ضرورياً يدفعهم للتوجه إلى الله وطلبه في العلو" (١).

وبنو آدم كلهم مفطورون على الإقرار بعلو الله الذاتي، ولا يستطيع أحد منهم أن ينفك عن ذلك، فإن الخلق كلهم باختلاف طوائفهم وتعدد مذاهبهم - عدا من اجتالته الشياطين منهم - إذا نابهم شيء اتجهوا بقلوبهم وأيديهم إلى جهة العلو اضطراراً وليس اختياراً بحيث لا يستطيع أحد دفع ذلك (٢).

ويطرح الشيخ - رحمه الله - تساؤلاً ويجيب عليه فيقول: " فإن قيل إن رفع الأيد إلى السماء، وتوجه القلوب إلى جهة العلو إنما كان من أجل أن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة؟ لا لأن الله في السماء فوق عباده، ثم هو منقوض (٣) بشرع السجود، ووضع الجبهة على الأرض مع أن الله ليس في جهة الأرض، أجيب (٤):

أولاً بمنع أن تكون السماء قبلة الدعاء، فإن كون الشيء قبلة لا يعرف إلا من طريق الشرع ولم يثبت في جعل السماء قبلة للدعاء كتاب ولا سنة، ولا قال به أحد من سلف الأمة وهم لا يخفى عليهم مثل هذه الأمر.

ثانياً ثبت أن الكعبة قبلة الدعاء كما أنها قبلة الصلاة، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستقبل الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة (٥)، فمن ادعى أن للدعاء قبلة سوى الكعبة أو ادعى أن السماء قبلته كما أن الكعبة قبلة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين.


(١) شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٤٥ - ٤٤٦).
(٢) ينظر: الرد على الجهمية للدارمي (٢٠ - ٢١)، التوحيد لابن خزيمة (١/ ٢٥٤)، التمهيد لابن عبد البر (٧/ ١٣٤ - ١٣٥)، درء التعارض (٦/ ١٢)، مجموع الفتاوى (٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠)، اجتماع الجيوش الإسلامية (٣٢٨ - ٣٣١).
(٣) أي أن الله ليس في جهة، والمراد نفي العلو.
(٤) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٤٧ - ٤٤٨).
(٥) أخرج البخاري في كتاب المغازي، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش، برقم (٣٩٦٠)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين برقم (١٧٩٤)، من حديث ابن مسعود قال: استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت، فدعا على ستة نفر من قريش، وفي الباب عن عمر عند مسلم برقم (١٧٦٣).

<<  <   >  >>