للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً أن القبلة ما يستقبله العابد بوجهه كما يستقبل الكعبة للصلاة والدعاء والذكر والذبح ودفن الميت ونحو ذلك مما يطلب فيه استقبال القبلة، ولذا سميت القبلة وجهة لاستقبالها الوجه، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجِه الداعي وجهه إليها لكنه لم يشرع بل نهي عنه، وإنما شرع رفع اليدين، ورفع اليدين إلى السماء حين الدعاء لا يسمى استقبالاً لها شرعاً ولا لغة، ولا حقيقة ولا مجازاً.

رابعاً أن الأمر باستقبال القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كالأمر باستقبال بيت المقدس في الصلاة نسخ بالأمر باستقبال الكعبة (١)، ورفع الأيدي إلى السماء في الدعاء والتوجه بالقلب إلى جهة العلو أمر فطري مركوز في طبائع الناس لم يتغير في جاهلية ولا إسلام، يضطر إليه الداعي عند الشدة والكرب مسلماً كان أم كافراً.

خامساً أن من استقبل الكعبة لا يقع في قلبه أن الله هناك جهة الكعبة، بخلاف الداعي فإنه يرفع يديه إلى ربه وخالقه وولي نعمته، يرجو أن تنزل عليه الرحمات من عنده.

وأجيب عن نقضهم الاستدلال بالفطرة على أن الله فوق خلقه بما ذكروه من السجود ووضع الجبهة على الأرض بأنه باطل، فإن واضع الجبهة على الأرض في السجود أنما قصده الخضوع لله، وإعلان كمال ذل العبودية من الساجد لربه ومالك أمره، لا لأنه يعتقد أنه تحته فيهوي إليه ساجداً، فإن هذا لا يخطر للساجد ببال، بل تنزه ربه عن ذلك، ولهذا شرع له أن يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، تعالى الله عن الظنون الكاذبة علواً كبيرا" (٢).


(١) ينظر: حديث البراء عند البخاري كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعلى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}. برقم (٤٠، ٣٩٩، ٤٤٨٦، ٤٤٩٢، ٧٢٥٢)، وحديث ابن عمر عند البخاري كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} برقم (٤٠٣، ٤٤٨٨، ٤٤٩٠، ٤٤٩١، ٤٤٩٣، ٤٤٩٤، ٧٢٥١)، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، برقم (٥٢٦).
(٢) ينظر: مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - (ص ٨، ٩).

<<  <   >  >>