للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما دلالة العقل:

فيبين الشيخ - رحمه الله -: " أنها قد دلت الأدلة العقلية على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، من أن الله بائن من خلقه وأنه فوق عباده بنفسه، وبيانه أن وجود الله إما أن يكون ذهنياً فقط، وإما أن يكون في خارج الأذهان، والأول ممنوع بإجماع، وإذا تعين أن يكون وجوده خارج الأذهان فإما أنه عين العالم أو صفة قائمة بالعالم، وإما أن يكون قائماً بنفسه بائناً من خلقه وكل من القول الأول والثاني ممنوع فتعين أن يكون الله موجوداً قائماً بنفسه بائناً من خلقه وإذ ثبت ذلك كان سبحانه فوق عباده، مستوياً على عرشه، لأن السفول صفة ذم لا تتضمن مدحاً ولا ثناءً فلا يليق بالله، والعلو صفة مدح وثناء وكمال لا نقص فيه ولا يستلزم نقصاً، ولا يوجب محذوراً، ولا يخالف كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً، بل النصوص وإجماع السلف تثبت ذلك وتقتضيه، فوجب اعتقاده، وإنكار التأويل وصرف النصوص عن ظواهرها، ولكونه عين الباطل الذي لا تأتي به الشريعة، ولا يراه عقل سليم" (١).

ويطرح الشيخ - رحمه الله - تساؤلاً ويجيب عليه فيقول: "فإن قيل: إن أكثر العقلاء يتأولون نصوص الاستواء والعلو والفوقية بالاستيلاء والقهر والغلبة، وبعلو القدر والمنزلة، بالخيرية وكمال الفضل، فكان تأويلهم مقتضى العقل، إذ يبعد أن يُرمى جمهور العلماء بالجهل والسفاهة، وتحريف النصوص الصحيحة عن مواضعها، ولا يكون لهم وجه يعتمدون عليه فيما ذهبوا إليه؟

قيل: ليس الأمر كما قيل، فإن الذين يصرحون بأن خالق العالم شيء موجود خارج الأذهان لكنه ليس فوق العالم وأنه ليس مبايناً للعالم ولا داخلاً فيه طائفة من النظار، وأول من ابتدع ذلك في الإسلام الجعد بن درهم (٢)، وتبعه في التحريف والتعطيل الجهم بن


(١) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - (ص ٧، ٨).
(٢) هو: الجعد بن درهم، من الموالي، عداده في التابعين، مبتدع ضال، أول من أنكر الصفات وأظهر مقالة التعطيل، قتل بالعراق بسبب ذلك، يوم النحر، قتله خالد بن عبد الله القسري بأمر من هشام بن عبد الملك في العراق يوم النحر، وهو شيخ جهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية واختلف في سنة وفاته، قال د. عبد الرحمن التركي: ولعلها في (١٠٦ - ١١٠ هـ) لأن القسري استفتى الحسن البصري في قتله والبصري توفي سنة (١١٠ هـ).
ينظر: الكامل في التاريخ (٥/ ١٦٠)، سير أعلام النبلاء (٥/ ٤٣٣)، ميزان الاعتدال (١/ ٣٩٩)، البداية والنهاية (١٠/ ١٩)، الأعلام (٢/ ١٢٠).

<<  <   >  >>