للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورحمته تعالى بغير ضعفٍ ولا رقَّة، كما هو حال المخلوق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل رحمة تليق بجلاله وعظمته (١).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: إن اتصاف الله بالرحمة، والمخلوق يتصف بها، لا يستلزم نقصاً له، فلو قُدر أن الرحمة في حق المخلوقين مستلزمة للنقص كالضعف والخور، لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك، كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، فينا يستلزم من النقص والحاجة، ما يجب تنزيه الله عنه، فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا، وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغير ذلك، هو مقرون بالحاجة والحدوث، لم يجب أن يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال، ولا يقدر ولا يعلم، لكون ذلك ملازماً للحاجة فينا، فكذلك الرحمة وغيرها، إذا قُدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف، لم تجب أن تكون في حق الله ملازمة لذلك (٢).

قال ابن القيم - رحمه الله -: "فالرحمة صفة الرحيم، وهي في كل موصوف بحسبه، فإن كان حيواناً له قلب فرحمته من جنس رقَّة قائمة بقلبه، وإن كان ملكاً فرحمته تناسب ذاته، فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق" (٣).


(١) ينظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي (٣٨ - ٤٢).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى (٦/ ١١٧ - ١١٨)، " بين الشيخ - رحمه الله - أن الرحمة في حق المخلوقين لا تستلزم الضعف والخور. فالرحمة ممدوحة من المؤمنين، كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)} البلد: ١٧، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) (أخرجه أحمد (٢/ ٣١٠)، والترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الرحمة بين المسلمين، برقم (١٩٢٤)، وابن حبان كتاب البر والإحسان، برقم (٤٦٢)، والبيهقي في شعب الإيمان (٨/ ١٦١)، وغيرهم بإسناد حسن عن أبي هريرة)، ومحال أن يقول: لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي، لكن لما كانت الرحمة تقارن في حق بعض الناس الضعف والخور، كما في رحمة النساء، ظن المخالف أنها كذلك مطلقاً".
ينظر: المسائل العقدية في فيض القدير للمناوي عرض ونقد للدكتور عبد الرحمن التركي حاشية رقم (٢) (ص ٤٥٤).
(٣) مختصر الصواعق اختصره محمد ابن الموصلي (ص ٣٠١).

<<  <   >  >>