للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مساجد، سواء كان ذلك ببناء المساجد عليها أو بقصد الصلاة عندها، بل أئمة الدين متفقون على النهي عن ذلك" (١).

وقال ابن القيم - رحمه الله -: " يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول لأنه قد نهى عن البناء على القبور. فبناء أسس على معصيته ومخالفته بناء غير محترم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدم القبور المشرفة" (٢).

والسبب في ذلك حرص الشارع على جانب التوحيد، ومنع وسائل الشرك، لأن بناء المساجد عليها يؤدي إلى إقامة الصلاة فيها وهذا فيه مشابهة للمشركين في تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، كذلك يؤدي إلى تعظيم أصحاب القبور مما قد يصل لصرف العبادات إلى أصحاب القبور وهذا شرك أكبر.

ومن الجدير بالذكر أن نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ القبور مساجد ليس المقصود منه منع بناء المساجد عليها فقط، بل يدخل في ذلك الصلاة فيها والعكوف عليها من غير بناء. وفي ذلك يقول الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام: " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد": "في هذا الحديث ... تحريم السجود على قبور الأنبياء، وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله - عز وجل -، ويحتمل الحديث أن لا تجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها، وكل ما احتمله الحديث في اللسان العربي فممنوع منه، لأنه إنما دعا على اليهود محذراً لأمته - صلى الله عليه وسلم - من أن يفعلوا فعلهم" (٣).

"أما من قال بأن النهي عن البناء على القبور يختص بالمقبرة المسبَّلة، والنهي عن الصلاة فيها؛ لتنجسها بصديد الموتى، وهذا باطل من وجوه:

منها: أنه من القول على الله بغير علم. وهو حرام بنص الكتاب.

ومنها: أن ما قالوه لا يقتضي لعن فاعله والتغليظ عليه، وما المانع له من أن يقول: من صلى في بقعة نجسة فعليه لعنة الله. ويلزم على ما قاله هؤلاء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبين العلة، وأحال الأمة في بيانها على من يجيء بعده - صلى الله عليه وسلم -، وبعد القرون المفضلة والأئمة.


(١) مجموع الفتاوى (٢٧/ ٤٨٨).
(٢) ينظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية (١/ ٢١٠).
(٣) التمهيد لابن عبد البر (٦/ ٣٨٣).

<<  <   >  >>