للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أنه يجوز السفر إليها، قاله طائفة من المتأخرين، منهم: أبو حامد الغزالي، وأبو الحسن ابن عبدوس الحراني (١)،

والشيخ أبو محمد (٢) المقدسي" (٣).

والمتأمل في أحكام الشريعة الإسلامية، يرى حرص الشارع على أمته، وخوفه عليها من الوقوع في المهلكات التي أهلكت الأمم قبلها، وخاصة الشرك؛ ولذا سدّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل طريق، وأغلق كل باب قد يوصل إليه، ومن ذلك نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، لما قد يؤدي إليه ذلك من البدع والشركيات، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - يقتضي التحريم؛ ولذلك فإن من جوَّز السفر لزيارة القبور ونحوها وخاصة قبره - صلى الله عليه وسلم -، كابن الصلاح (٤) وغيره، فإن هؤلاء لا يسلَّم لهم في هذا الباب وتجويزهم لذلك مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة الصادرة منه - صلى الله عليه وسلم -، فإن قالوا: إنَّما أوجبنا ذلك تعظيماً له، فإننا نقول لهم: إن تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - يتمثل في موافقته واتباع شرعه، ومحبة ما يحب، وكراهية ما يكره، وفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، وقد نهانا عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، وقبره داخل في عموم هذا النهي.

كما أن من أوجب زيارة قبره، أو أباحها، وأجاز شدّ الرحال إليه، فإن هذا قد يتضمن جعل القبر منسكاً يقصده الناس، كما يقصدون مكة والمشاعر ونحوها، وهذا هو


(١) هو: أبو الحسن، علي بن عمر بن عبدوس الحراني الحنبلي، مفسر واعظ فقيه، كان من أهل الخير والصلاح، توفي سنة ٥٥٨ هـ.

ينظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (١/ ٢٤١ - ٢٤٤)، شذرات الذهب (٤/ ١٨٣/١٨٤)، معجم المؤلفين (٧/ ١٥٧).
(٢) هذه كنية الحافظ عبد الغني المقدسي.
(٣) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٦٧٠ - ٦٧٢) باختصار، وللمزيد حول الأقوال السابقة انظر: فتح الباري (٣/ ٧٩ - ٨٠)، نيل الأوطار (٥/ ١١٢ - ١١٦).
(٤) هو: عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشافعي -تقي الدين أبو عمرو الإمام الحافظ العلامة، كان من كبار الأئمة، وقد أفتى وجمع وألف توفي سنة ٦٤٣ هـ، من مؤلفاته: أدب المفتي والمستفتي، علوم الحديث الذي يسمى مقدمة ابن الصلاح وغيرها.
ينظر: تذكرة الحفاظ (٤/ ١٤٣٠ - ١٤٣١)، السير (٢٣/ ١٤٠ - ١٤٤)، طبقات الشافعية (٨/ ٣٢٦ - ٣٣٦)، البداية والنهاية (١٣/ ١٦٨ - ١٦٩)، النجوم الزاهرة (٦/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>