للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لئلا يفضي إلى المشاركة في القصد، فإذا قصد الإنسان السجود للشمس وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، كان أحق بالنهي والذم والعقاب، ولهذا يكون كافراً، كذلك من دعا غير الله، وحج إلى غير الله هو أيضاً شرك، والذي فعله كفر" (١).

ويبين ابن تيمية - رحمه الله - أن السجود الشركي من الأمور المتفق على تحريمها عند الرسل عليهم السلام، فيقول: "أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله، كما قال سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)} الزخرف: ٤٥" (٢).

وإذا تقرر كون السجود لغير الله تعالى شركاً بالله تعالى، فينبغي أن نفرق بين سجود العبادة، وسجود التحية، فأما سجود العبادة فقد سبق الحديث عنه، وأما سجود التحية فقد كان سائغاً في الشرائع السابقة، ثم صار محرماً على هذه الأمة، والتسليم والإجلال لله وحده هو من التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وإن صُرف لغيره فهو شرك وتنديد، ولكن لو سجد أحدهم لأب أو عالم ونحوهما، وقصده التحية والإكرام فهذه من المحرمات التي دون الشرك، أما إن قصد الخضوع والقربة والذلّ له فهذا من الشرك، ولكن لو سجد لشمس أو قمر أو قبر، فمثل هذا السجود لا يتأتى إلا عن عبادة وخضوع وتقرّب فهو سجود شركي (٣).

وعلى هذا فمن فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا من أعظم المنكرات وهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل (٤).


(١) الرد على الأخنائي (ص ٦١)، وينظر: مجموع الفتاوى (٢٧/ ١١، ٢٣)، (١١/ ٥٠٢)، واقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٧٦٨).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٩٢)، مجموع الفتاوى (٤/ ٣٥٨).
(٣) نواقض الإيمان القولية والعملية، د. عبد العزيز العبد اللطيف (ص ٢٧٨ - ٢٧٩)، وينظر: تفسير ابن عطية (٩/ ٣٧٧ - ٣٧٨)، وتفسير القرطبي (١/ ٢٩٣) (٩/ ٢٦٥)، تفسير ابن كثير (٢/ ٤٩١)، تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (١/ ٢٦٥).
(٤) ينظر: مجموع الفتاوى (١/ ٣٧٢).

<<  <   >  >>