للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجبال حتى ينظر الناس إليها يوم القيامة؟ فهذا نص قاطع على أنه ليس في الآخرة جبال ولا وهاد، ولا قصور ولا بناء.

ومن الآيات الدالة أيضاً قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)} الأنبياء: ٣٣، فقد أشارت الآية الكريمة، إشارة دقيقة لطيفة، إلى حركة الأرض ودورانها، للمتمعن في النص القرآني المعجز.

ووجه الاستدلال بالآية الكريمة من طريقين:

الأول: إطلاق الظرف الزماني وإرادة المظروف، فإن كلا من الليل والنهار ظرف زمان، ولا بد لهما من مكان، والمكان الذي يظهر فيه نور الليل والنهار هو الأرض؛ وإطلاق ظرف الزمان، وإرادة المحل والمكان، معروف في اللغة ومشهور، كإطلاق الصفة وإرادة الموصوف، والقرآن نزل بلغة العرب، وبالأساليب التي يتخاطبون بها.

الثاني: إن الله تعالى عبر عن هذه الأفلاك بصيغة الجمع فقال: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)} الأنبياء: ٣٣، ولو كان الكلام عن الشمس والقمر فحسب، لذكرهما بلفظ التثنية، فقال: (يسبحان) فدل على أن الليل والنهار يسبحان أيضاً، ولما كان المراد بالليل والنهار الأرض فإن المعنى يصبح: إن الله خلق الأرض، والشمس، والقمر، كل من هذه الثلاثة، يسبح في ملكوت الله الواسع، ويكون في ذلك إشارة دقيقة، ولفتة عجيبة بارعة، على دوران الأرض وحركتها (١).

ومعنى قوله تعالى: {يَسْبَحُونَ (٣٣)} الأنبياء: ٣٣: أي يدورون كما نقله الحافظ ابن كثير عن ابن عباس قال: يدورون كما يدور الغزل في الفلكة، وكذا قال مجاهد (٢): فلا يدور المغزل


(١) ينظر لما سبق: حركة الأرض ودورانها حقيقة علمية أثبتها القرآن لمحمد الصابوني (٢٥ - ٥٢)، ومعجزة القرآن (١/ ٥٠) و (١/ ٥١).
(٢) هو: مجاهد بن جبر المكي الأسود، أبو الحجاج، إمام حافظ مفسر، من أئمة التابعين، أخذ التفسير عن ابن عباس، توفي سنة (١٠٢ هـ).
ينظر: طبقات ابن سعد (٥/ ٤٦٦)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٤٩)، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (٣/ ٢٧٩).

<<  <   >  >>