القول الثاني: أن الأرض هي التي تدور حول نفسها وحول الشمس.
ومن أدلة هذا القول، قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨)} النمل: ٨٨، ووجه الاستدلال في هذه الآية الكريمة، أنه تعالى عرضها في مساق التذكير والتنبيه على قدرته الباهرة في هذا الكون.
فإن الخطاب للبشر هنا في الدنيا، لأن الآية وردت بصيغة الخطاب: قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ ...} الآية، بنصب الجبال بالبناء للمعلوم، فهو تعالى يخاطب البشر، يخاطب كل ناظرٍ وكل عاقل، يرى بعينيه شيئاً يدعوه إلى التفكر والتأمل.
وقد يقول قائل: إن الآية وردت في سياق حديث الآخرة، وليست حكاية عن أحوال الدنيا؟
فيجاب بأن هذا القول بعيد، للأسباب التالية:
أولاً: اختلاف الصيغة عن سابقاتها في التعبير، فهناك قال سبحانه:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} النمل: ٨٧، بالبناء للمجهول، وهنا وردت العبارة بلفظ الخطاب، ولو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير (وتُرى الجبالُ) بالبناء للمجهول، على النسق السابق، أي تُرى في ذلك اليوم الجبالُ، برفع الجبال لا بنصبها، لأنه يصبح خبراً لا خطاباً، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا.
ثانياً: لفت القرآن أنظار المتأملين في آياته البينات، لفتة بديعة رائعة في قوله سبحانه:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} النمل: ٨٨،فبين أن هذه الغرائب المدهشة في الدنيا هي أثر صنع الله وتدبيره لهذا الكون، والخراب والدمار لا يسمى صنعاً، ولا يدخل في حيز الإتقان، فعند قيام الساعة تتزلزل الجبال وتتطاير، ومثلُ هذا لا يقال له: صنعٌ، ولا يوصف بالإتقان.
ثالثاً: أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على أرض بيضاء مستوية كما في الصحيحين:(يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء، عفراء، كقُرصة النَقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لأحدٍ)(١)،أي مثل قرص الخبز الأبيض، الخالص البياض، فأين هي
(١) متفق عليه من حديث سهل بن سعد الساعدي، أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، برقم (٦٥٢١)، ومسلم، في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة، برقم (٢٧٩٠).