للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين أن يفضلوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - على يونس، لأن التفضيل هنا يكون خاصاً بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مستثنى من العموم" (١).

وزاد النووي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله قبل أن يعلم أنه سيدّ ولد آدم، فلما علم أخبر به؛ وأنه قال ذلك أدباً وتواضعاً ... " (٢).

وقال البيهقي - رحمه الله -: " حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) (٣) ونسبه إلى أمه، فمن تكلم في التخيير والتفضيل ذهب إلى أنه أراد به: ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس، وإن كان قد أبق وذهب مغاضبا ولم يصبر على ما ظن أنه يصيبه من قومه.

ومنم من ذهب إلى الإمساك عن الكلام في التخيير بين الأنبياء جملة.

وذكر بعضهم أن معنى النهي عن التخيير بين الأنبياء ترك التخيير بينهم من وجه الإزراء ببعضهم، فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم، وبغرض الإيمان بهم، وليس معناه أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم، فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد فاضل بينهم فقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} البقرة: ٢٥٣، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنا سيد ولد آدم) (٤) وحديث ابن عباس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في يونس بن متى، قد يتوهم كثير من الناس أن بين الحديثين خلافاً، وذلك أنه أخبر في حديث أبي هريرة أنه سيد ولد آدم، والسيد أفضل من المسود، وقال في حديث ابن عباس: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) والأمر في ذلك بين ووجه التوفيق بين الحديثين واضح، وذلك أن قوله: (أنا سيد ولد آدم) إنما هو إخبار عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد، وتحدث بنعمة الله


(١) ينظر: شرح الطحاوية (١/ ١٥٩ - ١٦٣).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ١٠٨/١٠٩)، وانظر: فتح الباري (٦/ ٥٢٠ - ٥٢١).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين برقم (٤٦٣٠)، ومسلم في كتاب الفضائل باب في ذكر يونس - عليه السلام - ... (٢٣٧٧) كلاهما بلفظ: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى).
ينظر: شرح الطحاوية (١/ ١٥٩ - ١٦٣).
(٤) مسلم في صحيحة كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلق برقم (٢٢٧٨).

<<  <   >  >>