للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء" (١).

وقال: كذلك: "سماع الأصوات من خواص الأحياء، فإذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات من في الدنيا ولا يسمع حديثهم، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)} فاطر: ٢٢، فأكد تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف، بوجه الشبه، وإذًا فالموتى أدخل في عدم السماع وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وعموا عنها، وقالوا: قلوبنا غلف، وفي هذا يقول تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)} فاطر: ١٣ - ١٤، وأما سماع قتلى الكفار الذين قبروا في القليب يوم بدر نداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم وقوله لهم: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا) وقوله لأصحابه: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) (٢) حينما استنكروا نداءه أهل القليب فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها فاستثنيت من الأصل العام بالدليل، وهكذا سماع الميت قرع نعال مشيعي جنازته مستثنى من هذا الأصل، وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) (٣) مستثنى من هذا الأصل" (٤).


(١) فتاوى اللجنة (١/ ٤٧٢ - ٤٧٣) تصرف يسير.
(٢) أخرجه البخاري كتاب المغازي باب قتل أبي جهل برقم (٣٩٧٦)، وأخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب عرض مقعد الميت من الجنة ... برقم (٢٨٧٣)، من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٢١٨)، كتاب المناسك باب: زيارة القبور (٢٠٤١)، وقد حسنه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود (١/ ٥٧٠) ح ٢٠٤١.
(٤) فتاوى اللجنة (١/ ٤٧٨ - ٤٧٩).

<<  <   >  >>