للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"والحديث دليل على منع السفر لزيارته - صلى الله عليه وسلم - لأن المقصود منها هو الصلاة والسلام عليه والدعاء له - صلى الله عليه وسلم - وهذا يمكن استحصاله من بعد كما يمكن من قرب وأن من سافر إليه وحضر من ناس آخرين فقد اتخذه عيدا وهو منهي عنه بنص الحديث فثبت منع شد الرحل لأجل ذلك بإشارة النص كما ثبت النهي عن جعله عيدا بدلالة النص وهاتان الدلالتان معمول بهما عند علماء الأصول ووجه هذه الدلالة على المراد قوله تبلغني حيث كنتم فإنه يشير إلى البعد والبعيد عنه صلى الله عليه وسلم لا يحصل له القرب إلا باختيار السفر إليه والسفر يصدق على أقل مسافة من يوم فكيف بمسافة ففيه النهي عن السفر لأجل الزيارة والله أعلم" (١).

وقد روي أن الحسن بن الحسن بن علي (٢) رأى رجلا ينتاب القبر فقال يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء أي الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين (٣).

والرسول سدّ الطريق المُفضية إلى الشرك، بنهيه عن اتخاذ قبره عيداً، لأن هذا من وسائل الشرك، ومن الطرق الموصلة إلى الشرك.

وفي الحديث النهي عن التردّد على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أجل الصلاة عليه والسلام عليه، لأن هذا وسيلة إلى الشرك، ومن اتخاذه عيداً، ولهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم كلما دخلوا المسجد يذهبون إلى قبر الرسول ليسلموا عليه أو يصلوا عليه، أبداً، إنما يفعلون هذا إذا جاءوا من سفر فقط، لأنك إذا أكثرت التردّد عليه صار من اتخاذه عيداً (٤).


(١) عون المعبود (٦/ ٣٣).
(٢) هو: الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، إقامته ووفاته في المدينة توفي سنة (٩٠ هـ).
ينظر: الوافي بالوفيات للصفدي (١١/ ٣١٨)، الأعلام للزركلي (٢/ ١٨٧).
(٣) اللفظة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع وعزاها لسعيد بن منصور في سننه قال ابن تيمية - رحمه الله -: (وروى سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل ابن أبي سهيل قال رآني الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... "إلخ.
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٣٣١)، مجموع الفتاوى (٢٧/ ١٢٢)، إغاثة اللهفان (١/ ١٩١ - ١٩٢).
(٤) ينظر لما سبق: تفسير ابن كثير (٣/ ٥١٦)، شرح كتاب التوحيد (١/ ٣٠٥)، معارج القبول (٢/ ٥٣٠)، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (٢/ ٨٣)، عون المعبود (٦/ ٢٢ - ٢٥).

<<  <   >  >>