للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال - رحمه الله -: " وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)} إبراهيم: ٢٧، يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره، وأن المؤمن يوفق في الإجابة وينعم في قبره، وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره، وسيجيء ذلك في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -، ومن أدلة عذاب القبر أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس م أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وغرز على كل قبر واحدة وقال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) (١).

وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت سؤال الميت في قبره وثبوت نعيمه فيه أو عذابه حسب عقيدته وعمله بما لا يدع مجالاً للشك في ذلك، ولم يعرف عن الصحابة ن في ثبوت ذلك خلاف؛ ولذا قال بثبوته أهل السنة والجماعة، ومما ورد في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والحاكم في صحيحه عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وهو يلحد له، فقال: (أعوذ بالله من عذاب القبر) ثلاث مرات، ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا ... الحديث) (٢) " (٣).

وقد ثبت عذاب القبر ونعيمه بالكتاب والسنة والإجماع وقد ذكر جزءاً منها الشيخ - رحمه الله - في حديثه السابق؛ والأحاديث تواترت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الفتنة من حديث البراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم - رضي الله عنهم - (٤).


(١) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب الجريد على القبر وباب عذاب القبر من الغيبة والنميمة برقم (١٣٦١، ١٣٧٨)، ومسلم في كتاب الطهارة باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه برقم (٢٩٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (١٨١٤٠)، وعبد الرزاق في مصنفه برقم (٦٧٣٧)، والآجري في "الشريعة" (ص ٣٦٧ - ٣٧٠)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر برقم (٢٠، ١، ٢)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الحاكم (١/ ٣٧ - ٤٠)، وصححه الألباني في شرح العقيدة الطحاوية (ص ٣٩٦).
(٣) فتاوى اللجنة (٣/ ٤٤٣، ٤٤٧).
(٤) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٥٧)، وينظر: (٤/ ٢٨٥)، والروح لابن القيم (١/ ٣٨٤)، وشرح الطحاوية (٢/ ٥٧٨)، ونظم المتناثر للكتاني (ص ١٢٥).

<<  <   >  >>