للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غرلاً (١)، سراعاً، كأنهم جراد منتشر أو فراش مبثوث لا يضلون طريق الموقف، بل هم أهدى إليه من القطا (٢)، كأنهم إلى نصب يوفضون ... ومن قرأ آيات البعث من سورة القمر والمعارج والقارعة وأمثالها يتبين له الكثير مما تقدم، وثبت في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً) ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)} الأنبياء: ١٠٤" (٣).

إن الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومنكره خارج عن الإسلام. ولقد خص ذكر اليوم الآخر بمزيد من العناية والتعظيم لشأنه في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أجمع على ذلك المسلمون؛ فإن المتتبع لطريقة القرآن الكريم في مجادلة خصوم العقيدة، يجد أن الاهتمام باليوم الآخر أخذ قسطاً واسعاً من تلك الحجج والبراهين الدامغة لمنكري اليوم الآخر، وكذا في السنة المطهرة (٤).

قال علي بن أبي العز الحنفي - رحمه الله -: " القول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة ثم صار عظاماً ولحماً ثم أنشأه خلقاً سوياً، كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب" (٥).

ويقول ابن حزم: " اتفق أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة وعلى تكفير من أنكر ذلك، ومعنى هذا القول: أن لمكث الناس وتناسلهم في دار الابتلاء التي هي الدنيا أمداً يعلمه الله تعالى، فإذا انتهى ذلك الأمد مات كل من في الأرض، ثم يحيي الله عز


(١) جمع أغرل وهو الأقلف والأغلف الذي لا يختن.
ينظر: لسان العرب (١١/ ٤٩٠)، تاج العروس (٣٠/ ٨٧)، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم لمحمد الحميدي (ص ١٥٩)، مشارق الأنوار للقاضي عياض (٢/ ١٣٢)، غريب الحديث لابن الجوزي (٢/ ١٥٤).
(٢) القطاة واحدة قطا وهو نوع من اليمام يُؤْثر الحياة في الصحراء ويتخذ أفحوصه في الأرض ويطير جماعات ويقطع مسافات شاسعة وبيضه هُرقَّط.
ينظر: المعجم الوسيط (٢/ ٧٤٨) "قطا".
(٣) فتاوى اللجنة (٣/ ٤٥٨ - ٤٥٩).
(٤) ينظر: الحياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار للدكتور غالب عواجي (١/ ٧٣).
(٥) شرح الطحاوية (ص ٤٦٤).

<<  <   >  >>