للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- شبهة من أنكروا وجود الجنة والنار الآن:

قال الشيخ - رحمه الله -: " أولاً: خلق الجنة والنار قبل يوم الجزاء عبث، لأن كلاً منهما تبقى معطلة مدة طويلة دون أن يجزى بها أحد، والعبث محال على الله.

وأجيب أولاً: بأنه معارضة للنصوص الصحيحة بالعقل في أمر غيبي لا يعرف إلا بالنقل، وثانياً: بأن وجودهما في الدنيا فيه فائدة، لأن المؤمنين ينعمون في قبورهم، وأرواحهم نسمات تعلق في شجر الجنة، والكفار يعذبون في قبورهم بالعرض على النار ورؤية كل منهم مقعده فيها إلى أن يبعثه الله كما تقدم بيانه، فوجودهما ليس بعبث.

استدلوا ثانياً: بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} القصص: ٨٨، وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمران: ١٨٥، قالوا: فلو كانتا موجودة الآن لهلكتا وذاق كل من فيهما الموت عند النفخة الأول في الصور من أجل إنهاء الدنيا وتخريبها.

وأجيب أن كلا من الجنة والنار مستثنى مما يصيبه الهلاك والفناء، عند النفخة الأولى، لأنهما خلقتا للبقاء، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} الزمر: ٦٨، أدخلتا في عموم من شاء الله بقاءه جمعاً بين الأدلة، وأيضاً المعنى كل شيء كتب الله عليه الهلاك أو ذوق الموت هالك، والجنة والنار ليستا مما كتب عليه الهلاك، لأنهما خلقتا للجزاء، وأيضاً معنى كل شيء هالك إلا وجهه كل عمل حابط إلا ما أريد به وجه الله، بدليل قوله في صدر الآية: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} القصص: ٨٨.

استدلوا ثالثاً: بما ذكره الله عن امرأة فرعون من قولها: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} التحريم: ١١، وبقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لقيت إبراهيم ليلة أسرى بي، فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم بأن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر) (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال: سبحان الله وبحمده غرست له


(١) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد برقم (٣٤٦٢)، صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (٣٤٦٢).

<<  <   >  >>