للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً " (١).

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: " إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف (٢) فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة" (٣).

ويقول- في موضع آخر-: " إن الشخص المعّين إذا قال ما يوجب الكفر، فإنه لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي يخفى دليلها على بعض الناس وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفرّ البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات، بعد بلوغ الحجة ووضح المحجة" (٤).

والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم، وهو مقتضى حكمة الله تعالى، ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه (٥)،


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ٢٢٩).
(٢) الصرف: صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه مثلاً عن محبة زوجته إلى بغضها. والعطف: عمل سحري كالصرف، ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية. ينظر: فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (١/ ١٤٤)، التبيان شرح نواقض الإسلام للعلوان (١/ ٣٣)، التمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ (١/ ٤٢٢).
(٣) مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (٣/ ١١).
(٤) الدرر السنية (٨/ ٢٤٤)، ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٤/ ٥٤، ١٢/ ١٨٠)، الدرر السنية (١/ ٦٦)، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (١/ ٧٣، ٧٤)، مجموع فتاوى ابن باز (٤/ ٢٦، ٢٧).
(٥) قيام الحجة تقتضي الإدراك وفهم الدلالة، والإرشاد، وإن لم يتحقق توفيق أو انتفاع كما قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فصلت: ١٧.
ينظر: نواقض الأيمان القولية والعملية، د. عبد العزيز العبد اللطيف (ص ٧٤).

<<  <   >  >>