للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} الأنعام: ١٥٥ - ١٥٧.

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان.

وأما السنة: ولعل من أظهر الأدلة (١) في اعتبار الجهل عذراً، حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن رجلاً لم يعمل خيراً قط فقال لأهله إذا مات فأحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباَ لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له) (٢).

قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: " فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم: لم يحكم بكفره" (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب معيَّن إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية ... وكنت أبيِّن أن ما نُقل عن السلف والأئمَّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا: فهو أيضاً حقٌّ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين ... والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما


(١) والأدلة هاهنا كثيرة، ولعلم من آكد هذه الأدلة حديث الذي أمر أهله بإحراقه والذي قال عنه ابن تيمية: "وهو حديث متواتر عن الني - صلى الله عليه وسلم -، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد، وحذيفة، وعقبة بن عمرو، وغيرهم من وجوه متعددة". مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٩١)، ينظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٤٠٨، ٤٠٩)، ومجموع الزوائد للهيتمي (١٠/ ١٩٤ - ١٩٦)، العواصم والقواصم لابن الوزير (٤/ ١٧٥).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (٣٤٧٨)، وأخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله، برقم (٢٧٥٦).
(٣) المغني (٨/ ١٣١).

<<  <   >  >>