للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - قول الأشاعرة ومن وافقهم: وهو أن الاستطاعة مع الفعل لا تجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه، بل هي مقارنة له، وهي من الله تعالى، وما يفعله الإنسان بها فهو كسب له (١).

٤ - قول أهل السنة -وهو الذي عليه محققو المتكلمون وأهل الفقه والحديث والتصوف وغيرهم- وهو التفصيل:

أ- فهناك استطاعة للعبد بمعنى الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، فهذا لا يجب أن تقارن الفعل، بل تكون قبله متقدمة عليه، وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين ومثالها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} آل عمران: ٩٧، فهذه الاستطاعة قبل الفعل ولو لم تكن إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج.

وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي، وهي التي يتكلم فيها الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس.

ب- وهناك الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة، الموجبة له، ومن أمثلتها قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)} هود: ٢٠، وقوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١)} الكهف: ١٠١، "فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة له" (٢)، وهي الاستطاعة الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل (٣).


(١) ينظر الإرشاد (ص ٢١٩ - ٢٢٠)، معالم أصول الدين للرازي (ص ٨٣)، المعتمد للقاضي أبي يعلى (ص ١٤٢).
(٢) درء التعارض (١/ ٦١).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٢٩ - ١٣٠، ٢٩٠ - ٢٩٢، ٣٧١ - ٣٧٦، ٤٤١)، ومنهاج السنة (١/ ٧ - ٨، ٣٦٩ - ٣٧٣)، درء التعارض (٩/ ٢٤١)، موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. المحمود (٣/ ١٣٣١ - ١٣٣٢).

<<  <   >  >>