للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد توسط أهل السنة والجماعة في مسألة القدر وقدرة العباد بين المعتزلة المسمّون بـ"القدرية"، الذين انتشر على أيديهم القول بنفي القدر، وإنكار علم الله السابق بالأمور؛ وبين الجبرية الذين نفوا الفعل عن العبد وأضافوه إلى الله وقالوا بأن الله يجبر العباد على أعمالهم، والعباد مجبورون على أفعالهم وإنما تضاف الأعمال إلى العباد على جهة المجاز فقط كما تنسب للشمس ضوؤها فيقال: إنها مضيئة لأن الله جعلها كذلك؛ ومن أهم فرق الجبرية الجهمية (١).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "إن التأثير إذا فسر بوجود شرط الحادث أو سبب يتوقف حدوث الحادث به على سبب آخر، وانتفاء موانع - وكل ذلك بخلق الله تعالى- فهذا حق، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار، وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا معاوق مانع، فليس شيء من المخلوقات مؤثرا، بل الله وحده خالق كل شيء لا شريك له ولا ند له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ... فإذا عرف ما في لفظ التأثير من الإجمال والاشتراك ارتفعت الشبهة، وعرف العدل المتوسط بين الطائفتين" (٢) (٣).

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب في الكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافياً في حصول النبات، بل لا بد من ريح مربية بإذن الله ولا بد من صرف الانتفاء عنه، فلا بد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك الولد لا يولد بمجرد


(١) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ١٩)، الإيمان لابن تيمية (٣٦٨)، القضاء والقدر، د. عبد الرحمن المحمود (ص ١٦٨) وما بعدها.
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٤ - ١٣٥) وينظر: نفس المرجع (٨/ ٤٨٧ - ٤٨٨) و (٨/ ٣٨٩ - ٣٩٠).
(٣) ينظر غلو الجهمية في القدر: الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد لأبي الحسن الخياط (٢/ ٦٧ - ٦٨)، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص ٢٣٣)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٨٨).

<<  <   >  >>