للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المستحيلة؛ لذلك خجل ابن الهيثم وعاد يائسًا قانطًا إلى القاهرة فأثار فشله هذا سخط الحاكم وسخريته فعين ابن الهيثم في وظيفة إدارية لم تدخل إلى نفسه شيئًا من السرور وشاء سوء طالعه أن يرتكب خطأ وخشي ضب الحاكم وتنكيله به فتظاهر بالجنون ونجحت هذه الحيلة فحدد الخليفة إقامته في داره وضربت الحراسة عليه وعلى بيته واستولت الحكومة على ممتلكاته. وحدث أن الخليفة خرج مرة ممتطيًا جواده ولا يعلم بخروجه أحد وعندما بلغ أبواب القاهرة اختفى ولم يعرف له أثر فكان اختفاؤه لغزًا من الألغاز، وبذلك استطاع ابن الهيثم أن يتحرر من تحديد إقامته وفرض الحراسة عليه وتأميم ممتلكاته فترك سكنه واتجه إلى حي الأزهر حيث أقام هناك واضطر أن يكتسب قوته عن طريق النسخ، وهكذا قضى هذا الرجل التعس حياته حتى توفي. وقد كلفه بعضهم مرة أن ينسخ له مبادئ أويقليد والماجسطي لبطليموس فنسخهما بدون خطأ وفي غاية الدقة ليستطيع أن يتغلب على متاعب الحياة ويحصل على قوته اليومي. ومن الجدير بالملاحظة أن ابن الهيثم أدرك الأخطاء التي تردى فيها هذان العالمان فعارضهما وانتقدهما وبين أخطاءهما، فقد قال كل من أويقليد وبطليموس أن العين ترسل «أشعة بشرية» على الأشياء المراد رؤيتها، فأعلن ابن الهيثم خطأ هذا الرأي وقال إن العين لا ترسل شعاعًا، وإن هذا الشعاع ليس هو الذي يسبب الرؤية والعكس هو الصحيح فإن الجسم المرئي هو الذي يرسل أشعة إلى العين وإن عدسة العين هي التي تحوله.

وكان هذا الرأي لابن الهيثم كشفًا جديدًا قفز بالعالم العربي بخواص الحواس قفزة بعيدة جدًا وصحح الخطأ الذي وقع فيه العالم القديم، وفسر لنا ابن الهيثم الضوء ومظاهره، كما أوجد بذلك قانونًا جديدًا أثبت صحته وأيده بتجارب كثيرة مختلفة فكان ابن الهيثم هو صاحب النظريات العلمية المعتمدة على التجارب، وابن الهيثم هو وأمثاله من العلماء العرب هم مؤسسو الأبحاث التجريبية وليس «روجر بيكون» أو «باكوفون فرولام» أو «ليوناردو ده فينشي» أو «جليلي»، فالعرب سبقوهم وبلغوا بأبحاثهم التجريبية المستوى الرفيع وأصبح اسم الحسن بن الهيثم هو همزة الوصل وهو النجم الذي أضاء الطريق ومهد لقيام الأبحاث الحديثة بعد أن سبق أوربا إليها.

<<  <   >  >>