للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فابن الهيثم هو الذي استغل الزمن الذي مضاه مختارًا في سجنه، كما استغل أيضًا الأعوام التي تلت خروجه وقام بأبحاثه العلمية وتجاربه الخاصة بالبصريات الهندسية فخلق بذلك علمًا مستقلًا.

وكيف يقع خسوف القمر إذا كان القمر جسمًا غير مضيء؟ وأنه يستقبل ضوءه من الشمس؟ فمثل هذا السؤال الفلكي دفع ابن الهيثم إلى خلق نظرية خاصة بتكوين الظل عن طريق أجسام نورانية. ومن هنا أوجد رأيه الخاص بمصادر الضوء، وأخذ يقوم بمختلف التجارب وأوجد دراسة خاصة بطبيعة إلقاء الظل كما أطلق هو نفسه هذه التسمية على بحثه هذا. وأول تجربة قام بها هي الخاصة بجهاز يشبه تقريبًا آله التصوير وبها ثقب، وكانت هذه الآلة هي الأنموذج الأول لآلة التصوير، وقد أثبت ابن الهيثم عن طريق هذا الجهاز استقامة خطوط الضوء، ولم يكد يصدق عينيه عندما شاهد العالم وقد أصبح أسفله أعلاه بمجرد وضع الصورة وضعًا عكسيًا. إن التجارب التي توصل بمقتضاها ابن الهيثم إلى هذا الفتح العلمي الجديد هي بعينها التي اهتدى إليها «ليوناردو ده فينشي» فيما بعد. لقد وجد ابن الهيثم تعليلًا لكسر الإشعاعات عندما تمر خلال وسيط مثل الهواء أو الماء، اعتمادًا على هذه الظاهر وتلك الحقائق استطاع ابن الهيثم معرفة ارتفاع الطبقة الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية، والشيء الجدير بالذكر حقًا أن ابن الهيثم توصل إلى معرفة ارتفاع هذه الطبقة تمامًا وأنها خمسة عشر كيلو مترًا. ولم تقف أبحاث ابن الهيثم عند هذا، بل امتدت إلى هالة القمر والغسق وقوس قزح، ونحن نعلم أن أرسطو قد فشل عندما حاول في شرحه تعليلها التعليل العلمي. وذهب ابن الهيثم بعيدًا فطبق معلوماته على أجهزة البصريات فدرس وحسب الانعكاس في قطاع المرآة الكورية أو المخروطية أعني الإشعاعات المتوازية التي توجد في نقطة الاحتراق، كما اهتدى أيضًا إلى قوانين تتلمذت عليه أوربا وعرفته تحت اسم «أرزاكيل» (الزركلي) فهو من بين الأساتذة العرب الذين أخذت عنهم أوربا الشيء الكثير. ولم يشتهر الزركلي بالفلك فقط بل بتركيب الآلات أيضًا فهو الذي صنع الجهاز الذي مدحه «رجيومونتانوس» وقال عنه ما معناه إنه أحسن جهاز وهو عبارة عن أسطرلاب الزركلي، وقد لاقى هذا الأسطرلاب شهرة عظيمة تتفق ومكانة الزركلي

<<  <   >  >>