للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحث علمي، وهذه هي الميزة التي تحلى بها العرب وامتازوا على أوربا المسيحية، وهذا هو المستوى العلمي الرفيع الذي حفظهم من التدهور والسقوط في الصوفية؛ لذلك كان علم الفلك أو الاعتقاد في القدر بعيدًا البعد كله عن السحر والشعوذة وما إليهما من الخرافات التي تهدد حياة المسلم العربي، كما نتبين ذلك من مؤلفات العرب الفلكية التي وصلت إلى أوربا. وعلم الفلك العربي أكثر من غيره من سائر العلوم الإسلامية لم يتجه هذا الاتجاه الخاص بتأويل حركات النجوم في العالم الإسلامي إلا بتأثير الفرس فهم واضعو أسسه.

ومعلم أبناء موسى منذ طفولتهم، وهو يحيى بن أبي منصور، كان فارسي المولد وكان كغيره من أبناء جنسه هاويًا دراسة الفلك كما كان منجمًا. والشيء الجدير بالملاحظة أن أبناء موسى الثلاثة لم يأخذوا شيئًا عن هواية هذا المعلم، وعلى النقيض من ذلك كانوا عمليين واقعيين وعلماء ناقدين. فالفارسي يؤمن منذ طفولته بعاملي الخير والشر الناتجين عن النجوم، والفارسي في إيمانه متأثر بتعاليم زرادشت. أما الكواكب ذات الأثر الشرير والشهب فمن خلق إله الشر «أهريمان» وعن طريق مخلوقاته يحاول هذا الإله الشرير نشر الفساد وإحداث الفوضى والاضطرابات في العالم، فهو عن طريق الكواكب السبعة ينشر قوى الشر في الطبيعة حتى تسبب التعاسة وتجلب الشقاء لبني البشر.

والعقيدة البدائية للبابليين في أن النجوم ما هي إلا كتابة سماوية تنسجم وطبيعة آلهتهم الفلكية والعقلية اليونانية المغرمة بالهندسة وقواعدها تنظر إلى الأجرام السماوية نظرة هندسية، وهكذا أخذت هذه الديانة العلمية الوثنية تختفي تدريجيًا تاركة بقاياها في فارس كما اتخذت من أبنائها رسلا.

ففي عام ٧٦٠ م نجد المنجم الفارسي المتوفى حوالي ٧٧٧ والمسمى «نوبخت» يزور، مزودًا بهذه المعلومات الكثيرة، قصر الخليفة العربي المنصور، فقد حدث عندما جاء العباسيون للحكم أن انتقل مركز الثقل السياسي للدولة من دمشق، مركز الأسرة الأموية التي جاءت من الصحراء، إلى بغداد حيث يكثر الماء والأراضي الزراعية الخصبة الممتدة على شاطئ النهرين. وقبل الشروع في بنائها

<<  <   >  >>