للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اهتم به العرب أيضًا، ومنذ العصر الجاهلي، وبذلك اكتسب الكندي المنجم شهرة عظيمة. فهذا العربي الجنوبي والذي ينتسب إلى قبيلة كندة اليمنية الملكية وهو أحد أفراد بيت أمراء البحرين لم ينج من حسد وحقد بعض معاصريه ومن بينهم بنو موسى، فقد كرهوه وحقدوا عليه حتى قامت بينهم وبينه مشادة؛ لأن خصومه استغلوا حالة التزمت الديني التي كانت متفشية وقتذاك، كما استغلوا وفاة المأمون الذي اشتهر بسعة الأفق ورحابة الصدر، استغل بنو موسى كل هذه الظروف ووضعوا يدهم على مكتبة الكندي ونقلوها من داره. وحدث في ذلك العصر أن الخليفة المتوكل أمر محمدًا وأحمد نجلي موسى بحفر قناة على دجلة فكلف الأخوان المهندس الفرغاني الذي عرفناه في مصر عند مقياس النيل، وأبلى بلاءً حسنًا واشتهر في أوربا باسم «الفراجانوس» بتنفيذ هذا المشروع. لكن المقاول المطالب بالتنفيذ ارتكب خطأ شنيعًا، فقد حفر القناة وجعلها أكثر ارتفاعًا من مصبه في دجلة حتى إنه عند انخفاض منسوب المياه لا يجري الماء وحاول ابنا موسى إصلاح الخطأ فعجزا فثار الخليفة الذي كلفه هذا المشروع مالًا كثيرًا على ابني موسى وأمر بإحضارهما، وكلف الفلكي اليهودي والمنجم «سند بن علي» الحضور وفحص الخطأ، فإذا ثبت أن ابني موسى هما سبب هذا الخطأ أمر الخليفة بصلبهما على شاطئ القناة، ومما زاد الطين بلة أن هذا اليهودي الحكم كان عدوًا لدودًا لبني موسى وللكندي، والشيء الجدير بالذكر أن اليهودي «سند بن علي» هو بعينه الذي سطا عليه اليهودي أبو معشر وسرق كتابه ونسبه إلى نفسه.

فلم يبق أمام ابني موسى وهما في هذا الوضع السيئ إلا أن يرجوا اليهودي إنقاذ حياتهما وأن يغفر لهما خطاياهما معه، ولكن «سند بن علي» استغل هذه الفرصة وطلب إليهما قبل كل شيء تسليم الكندي كتبه، وبعد ذلك يفكر في معاونتهما. وهنا نجد محمدًا للمرة الثانية وهو في هذا المركز الحرج يضحي بكرامته ويقدم للكندي مكتبته ومعه مستند خطي من الكندي يثبت تسوية المسألة بينهما، وبعد ذلك فقط دبر اليهودي «سند بن علي» الأمر واحتال حيلة جيدة فأخبر الأخوين أنه مسرور برد المكتبة إلى الكندي. وأنه الآن على استعداد لإحاطتهما علمًا برأيه في موضوع القناة وما بها من خطأ. الواقع أن هذا الخطأ لا يمكن الاهتداء إليه ومعرفته

<<  <   >  >>