المثلثات الكروية ومفرداتها الدقيقة التي تتطلب الدقة والمهارة الحسابية. ومن هنا نفهم سر استعانة علم الفلك العربي بجداول علم التنجيم واعتمادًا عليها تفوقت على ما وصل إليه البابليون في التنجيم، وكذلك الهنود واليونان.
وهذا التفوق في التنجيم كان الناحية الوحيدة التي انفرد بها العرب في بلادهم العربية، ما لم يعتقد الإنسان في الاستفادة من الديانات الفلكية السابقة.
وقد أثر العرب عن طريق الفلك والتنجيم في أوربا أثرًا بعيدًا وساعدهم على هذا جهل رجال الكنيسة ورهبان المسيحية الذين كانوا يحتكرون التنجيم، بالرغم من تفاهة معلوماتهم فيه وعوضًا عن مناقشتهم هذه التعاليم وتلك النظريات أخذوا ينظرون وكأنها تأويل للنجوم وطوالعها، ومن هذه الناحية وجد علم الفلك طريقه إلى أوربا والأوربيين، وعاون على ذلك آلات الرصد التي أقامها الفلكي الدينماركي «تيشو براها»(١٥٤٦ - ١٦٠١) في مرصده، وعاون على هذا أيادي الملك البيضاء التي أمدت المرصد بكثير من الأجهزة النافعة رغبة منه في الحصول على التنبؤات الدقيقة الخاصة بالتقلبات السياسية التي قد تتعرض لها مملكته والعمل على تجنبها.
ولم يقف علم التنجيم عند الأمراء ومن في منزلتهم بل تعدادها إلى الباباوات، فقد أسس «ليو العاشر» كرسيًا لتفسير طوالع النجوم في جامعة روما، كما نجد منجمين باباويين يعينون ليوليوس الثاني يوم وساعة تتويج البابا له كما يحددون وقت انعقاد مجلس البابا والكرادلة لبولس الرابع. وهكذا نجد علمي الفلك والتنجيم يسيران معًا زمنًا طويلًا، فقد ترجم «ميلنشتون» رسائل التنجيم لبطليموس، كما ألقى في «فيتنبرج» محاضرات حول تأويل مطالع النجوم وحركاتها، واستهل «تيشو براها» سلسة محاضراته في جامعة كوبنهاجن بالحديث عن التنجيم فكانت هذه المحاضرة اعترافًا صريحًا منه بهذا العلم. وتكسب كل من «جليلي»(١٥٦٤ - ١٦٤٢ م) و «كبلر»(١٥٧١ - ١٦٣٠ م) قوتهما اليومي عن طريق التنجيم، ولو أنهما كان يدركان أن الذي ينتظر الإجابة منهما على أسئلته إنما هي صادرة من الكواكب فقط وبدون إرادة وأخلاق الإنسان الذي فقد ذكاءه الذي منحه