«وذلك لأنه عندما يشفى مريض بعقاقير مادية ويثق الإنسان في مثل هذه العقاقير ومفعولها وقدرتها على الشفاء فإن ثقة مثل هذا الإنسان في الله وقوته يجب أن تكون أعظم، فلماذا لا يعتمد على الله فقط؟ ولماذا لا يتجه إلى الله القوي العظيم؟ أو يفضل المريض أن يشفى كما يشفى الكلب عن طريق العشب، والوعل بواسطة الأفاعي، والخنزير بسرطان البحر، والأسد بالقردة؟ لماذا نقدس الأشياء الأرضية؟ ».
والكنيسة ترى أن استخدام أدوية أخرى غير تلك التي تصفها هي أعني أدوية الروح، كذلك ترى أن احتراف الطب وإجراء عمليات جراحية، عمل مشين يتنافى ومكانة رجال الدين وكرامتهم.
وقد استمرت هذه العقيدة سائدة عدة قرون بين الأطباء الدارسين، فقد كانوا عرضة لكثير من الإهانات واللعنات وبخاصة إذا كان الطبيب جراحًا حتى ولو فصد فصدًا لاستخراج الدم فإن الكنيسة لن تغفر له هذا العمل المشين، وفي شيء من الإيجاز لقد حرمت الكنيسة على رجال الدين مباشرة الجراحة، وتركت هذه العملية الجراحية لأناس يعتبرهم المجتمع من الطبقة الدنيا التي كان ينظر إليها باحتقار. وغالبًا ما كان الجراحون يتوارثون هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم، فهي مهنة وراثية ولو أنهم كانوا في نظر الشعب أطباء. ألم يكونوا هم الذي اختارهم الله للقيام بالعمليات الجراحية ويؤدون هذه المساعدات وتلك الخدمات؟
أما موقف الكنيسة منهم فمعروف فيهم ألا تثق فيهم ولا تعترف بهم، كما لا تعترف الكنيسة بالدواء الذي لا تقرره الكنيسة أو الأطباء الذين لا تعترف هي بهم. فالذي لا يخفف الآلام بل يزيدها أحيانًا إيلامًا يرتكب خطيئة كبرى مع المريض، فهؤلاء الأطباء الجهلاء الذين كانوا يقومون بالعمليات الجراحية عن طريق السكاكين الحادة والإبر كانوا موضع احتقار أسقف الإفرنج «جريجور فون تور»(٥٤٠ - ٥٩٤ م) فهو يقول: «ماذا يستطيع الأطباء أن يفعلوا بآلاتهم؟ إن مهنتهم تزيد الآلام ولا تخففها فهم يفتحون العين ويجرحونها ويقطعون فيها بآلاتهم المدببة، وأنهم