بذلك يقربون آلام الموت من المرضى دون دون أن يساعدوا المرضى ويمكنوهم من الرؤية، وما لم تتخذ سائر الوسائل وتراعى الترتيبات الضرورية فإن الرؤية ستختفي، لكن إلهنا لديه آلة من الصلب واحدة وهي إرادته ولديه مرهم واحد وهو قوته على الشفاء».
ومن حسن الحظ أن هبت من إيطاليا القوطية الشرقية ريح جديدة حاولت مطاردة هذه الريح الراكدة الفاسدة المشحونة بالخرافات، ولعل مما ساعد على هذا البعث الجديد أن إيطاليا كانت في ذلك الوقت محتفظة بعدد من الأطباء الشعبيين ثم انضمت إليهم جماعة أخرى من أطباء الجرمان عن طريق اللونجبرديين فقوت ساعدهم وساند كل طبيب الآخر وعاونه على الحياة. ففي أيام «تيودوريش الأكبر» ومستشاره «كسيودور» ازدهرت المدارس القديمة وترعرعت وأمد كل من «أماليسفتنا» و «أثالاريش» المعاهد العلمية بكثير من المساعدات التي عاونتها على النهوض بمهمتها. ففي تلك اللحظة عندما لجأ في الشرق «بوستنيان» إلى العلوم اليونانية مأواه الأخير، أكاديمة أثينا، أسس «بنديك تفون نورسيا» في الجبال المطلة على نابولي البيت الأصلي للطائفة التي ينتمي إليها وهو الدير المعروف باسم «مونت كسينو»، وكان يعني المعجزات أكثر من عنايته بتخريج العلماء، لكن «كسيودور» رئيس وزراء ملك الغوط أجهد نفسه في سبيل تأسيس المجامع العلمية في روما وجنوب إيطاليا حرصًا منه على المحافظة على البقية الباقية من العلوم الروامنية الشعبية فأدخلها الأديرة الأوربية محافظة عليها من الضياع، وهي التي انحدرت إلينا من العالم القديم أولا، وتطويرًا للحياة العلمية في الأديرة ثانيًا.
فمنهج الدراسة بالأديرة كان لا يعني بمادة الطب باختلاف الرياضيات والعلوم الطبيعة بالرغم من ضآلة هاتين المادتين أيضًا. والواقع أن الشعب الروماني لم يخلق من الطب علمًا، وما نجده في أوربا مصدره ترجمة ضعيفة فقيرة لبعض المخطوطات اليونانية والبيزنطية، هذا إلى جانب مجموعة من الوصفات الطبية وقليل منها المفيد النافع. أما هذا النوع الذي عرفته أوربا وفيه شيء من الفائدة فيرجع تاريخه إلى مائتين أو ثلثمائة سنة بعد ذلك، وقد أخذته أوربا عن العالم القديم وعن طريق