للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب الذين نهضوا بهذه المادة نهضة جبارة، في الوقت الذي كانت أوربا عاجزة لا عن قراءتها فقط بل عن فهمها أيضًا.

أما الشيء المهم الوحيد الذي ابتدعه الرومان وفهمه رجال الأديرة فدائرة معارف «سسلزوس».

وهكذا نجد مادة الطب في وضع أسوأ من أوضاع المواد الأخرى، فالطب كغيره لم يطلب في الأديرة لذاته بل لخدمة العقيدة؛ لذلك لم تتقدم دراسته أو تثمر الثمار المرجوة، وكان يكتفى علميًا بالنسخ والجمع.

والظاهرة الغالبة في أوربا في ذلك العصر التقشف والبعد عن الحياة الأرضية والالتجاء إلى الكنيسة وتعاليمها واحتقار الحياة الدنيا، هذه هي الغايات التي كان يصبو إليها الأوربي حينذاك.

والتاريخ يحدثنا أن القديس «نيلوس فون روسانو» وقد جاءه يومًا يهودي يدعى «دونولو» (٩١٠ - ١٠٠٥ م) كان قد درس الطب في جنوب إيطاليا على يد أطباء عرب عرضًا عليه خدمته وهو فخور بما حصله من علم في الطب احتقره القديس وطرده، وقال له: إن أحد اليهود ذكر: خير للإنسان أن يعتمد على الله لا على إنسان آخر؛ ولما كنت أعتمد على الله وعلى سيدنا يسوع المسيح فلست في حاجة إلى طبك.

ثم نجد الواعظ الصليبي المشهور «برنرد فون كليرفو» (١٠٩٠ - ١١٥٣ م)، وقد كان معاصرًا للأمير العربي أسامة بن منقذ كثيرًا ما يشفي المرضى بشيء من الإعجاز إلا أنه حرم على رهبانه الذين كثيرًا ما تعرضوا لأمراض الأجواء غير المناسبة لهم حرَّ عليهم الاستعانة بالأطباء أو تناول الدواء، وقد علل هذا التحريم بقوله: ليس من المستحسن أن يشفوا أرواحهم فاستخدام الوسائل الأرضية يضرهم.

ولم يكن هذا التحريم ركنًا من أركان الإيمان أو العبادات بل الإيمان العميق الذي غرسته الكنيسة فيهم؛ ثم مع توالي العصور وكثرة الحوار والمجادلات حوله أصبح أرسخ قدمًا من أي شيء آخر. إن المحافظة على صحة الجسد أمر بل وصية وصى

<<  <   >  >>