للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذه الأقطار العربية مجتمعة خرجت فكرة الدين التوحيدي فظهر «إخناتون» وتلاه سائر الأنبياء الذي دعوا إلى اليهودية والمسيحية والإسلام، واستتبع ظهور هذه الديانات تفتق العقل البشري أنتج أدبا وشعرا ونثرا وقصصا وفلسفة وحكمًا وأمثالا والترانيم الدينية. وطوف الخيال العربي وجاءنا بالأساطير الخالدة وكان من نتائج هذه الثورات العربية العقلية والروحية أن رمت العروبة ببعض أبنائها شعوب العالم القديم من شرقيين وغربيين فحطموا مخلفاتهم العفنة البالية وأقاموا على أنقاضها هذه الدول الفتية التي جاءت بالمعجزات. فالعرب لا اليونان ولا اليهود هم الذين بعثوا العالم من حالة الجمود إلى حياة أفضل مكنته من التحكم في مصائر الكون فأطلق العربي الأفكار من عقالها وحررها من جمود رجال المعبد اليهودي والكنيسة المسيحية فظهرت طائفة القرائين حيث أنكر أولئك التلمود وتعاليمه، كما انكمش سلطان الكنيسة وتوارت وراء البخور. وقد مهد هذا التطور بدوره إلى ظهور حركة الإصلاح الديني وبعث النهضة العلمية.

ومما عاون العرب على الاضطلاع بهذه الرسالة تسامحهم ومبادئهم الإنسانية التي أزالت الفوارق بين الشرق والغرب كما أنهم لم يمكنوا اللون من أن يكون عاملا من عوامل التفرقة والتمييز العنصري والحط من القيم الإنسانية.

إن العرب يؤمنون سواء في الجاهلية أو الإسلام بالحقوق الإنسانية كاملة غير منتقصة لكل فرد من أفراد المجتمع البشري. فالدين الإسلامي الذي ثبَّت أسس هذه المبادئ يقرر في صراحة ووضوح: «ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى»، و «إن الله لا ينظر إلى وجوهكم بل إلى أعمالكم». لذلك نجح العربي في تحقيق ما عجز عنه اليوناني والفلسفة اليونانية أعني مذهب «الإنسانية».

إن هذا المذهب لم يقو ولم ينتصر إلا بفضل العرب، ولم تعرفه أوربا إلا في العصور الوسطى وعلى يد العرب، وبعد أن تتلمذت أوربا على العرب في العصر الإسلامي حيث بلغ العرب مكانة اجتماعية لم تدانهم فيها الشعوب الأخرى، كما شرع الإسلام لمعتنقيه وغيرهم تشريعات أخرجهم من الظلمات إلى النور.

إن الحانقين على العرب والإسلام والناسبين التراث العربي إلى اليونان واليهود

<<  <   >  >>