يضللون أنفسهم وغيرهم والعكس هو الصحيح. العرب هم أصحاب الفضل على اليونان واليهود، ولست أنا فقط الذي يقرر هذا بل يشاركني نفر من الأوربيين المنصفين مسيحيين كانوا أو يهودًا هذا الرأي. فالتاريخ اليهودي يحدثنا أن العرب أحسنوا معاملة اليهود عندما كانوا يهربون من وجه الطغاة من حكامهم في فلسطين أو فزعًا من اضطهاد اليونان والرومان، فقد نزل أولئك اليهود الجزيرة العربية فوجدوا أهلا وسهلا، فهذه القبائل اليهودية التي كانت تنزل يثرب وخيبر ووادي القرى، وقد أفرادها على العرب بعد أن أفقدتهم القرون التي مرت منذ زوال دولتهم ولغتهم المقدسة، تذوق اللغة العبرية وتجويدها حتى أصبح من المألوف لدى اليهود أن يعبر عن أفكاره وشعوره في لغة ركيكة هي خليط من العبرية والكلدانية واليونانية فحالت ظروفه هذه دون خلق آداب عبرية، فما كان أولئك اليهود بمستطيعين قول الشعر أو إجادة النثر، فغير نزولهم بين العرب هذه الأوضاع وبخاصة أن العربي معجب بلغته معنى بها نثرا وشعرا وحريصا على المحافظة عليها فصيحة نقية.
أخذ اليهود عن جيرانهم العرب فن الكلام والنطق الصحيح وفصاحة التعبير، فلما رحل بنو قينقاع والنضير وقريظة ويهود خيبر ووادي القرى وغيرهم إلى العراق والشام وفلسطين كانوا يتكلمون لغة عربية ويتأدبون بأدب عربي ويتطبعون بطباع عربية كلها شجاعة ووفاء وكرم وإباء، يقولون الشعر في مختلف فنونه ويعبرون عن خواطرهم في لغة هي لغة أهل الحجاز. نزل أولئك اليهود في أوطانهم الجديدة فأثروا في أبناء ملتهم تأثيرا قويا، ولم يمض نصف قرن من الزمن على تحرير العرب ليهود فلسطين والعراق وغيرهما حتى أصبح في استطاعتهم التحرير في اللغة العربية.
ولم يقف أثر العرب والعربية في اليهود عند اللغة وآدابها بل تعدى العربية الأدبية إلى عربية القرآن الكريم والحرص على المحافظة على كتاب الله، وهذه ظاهرة جديدة لم يكن لليهود بها عهد في عصورهم القديمة حتى في فلسطين، وإبان قيام دولتهم وحياة لغتهم العبرية المقدسة، وقد حببت هذه الظاهرة إلى اليهود اقتفاء أثر العرب ومجاراتهم في طريقة دراسة القرآن الكريم، وحاول اليهود الحرص على