«إن تاريخ اليهود في بلاد العرب في القرن السابق للنبوة المحمدية وإبان حياة الرسول صفحة ناصعة في التاريخ اليهودي».
وذكر في موضع آخر:
«لقد وزع عمر أراضي اليهود على المسلمين المحاربين، وعوض اليهود المطرودين -وهذه هي العدالة- أخرى بالقرب من الكوفة على الفرات حوالي ٦٤٠ م. حقًا رب ضارة نافعة. إن سيادة الإسلام نهضت باليهودية من كبوتها»(١).
إذا تركنا الخلال العربية جانبا، هذه الخلال التي بوأت العرب هذه المكانة الممتازة والتي جعلتهم أهلا ليكونوا رسل حضارة وثقافة للناس كافة، وقابلنا بين الإسلام وتعاليمه وبين اليهودية، أدركنا الفرق الشاسع اجتماعيا وعقائديا بين الملتين؛ لذلك سرعان ما وجدنا المرأة اليهودية مثلا تفضل الالتجاء إلى المحاكم الشرعية الإسلامية للفصل في قضايا الأحوال الشخصية. وقد هدد هذا الموضع الجديد المجتمع اليهودي بالزوال فقرر علماء التلمود تغيير بعض أحكامه مجاراة للشريعة الإسلامية، لكن تغيير بعض الأحكام التلمودية لم يقف عند هذا بل زعزع العقيدة في قدسيته وصحة ما جاء فيه، وبخاصة تلك الأحكام التي لا تستند على نص قوي في الكتاب المقدس.
وكانت النتيجة المحتومة لهذه الحركة الإصلاحية أن ظهرت في سوريا جماعة من اليهود النازحين من الحجاز، والذين اعتادوا حياة أفضل من تلك التي يحيونها تحت ظلال التلمود، فرفضوا العمل بتعاليمه، وبذلك مهدوا لظهور فرقة القرائين.
هذه هي بعض حسنات العرب على اليهود، فالعرب هم الذين أهدوهم العربية بعد أن كانوا يرطنون خليطًا لا شرقيا ولا غربيا ولا ساميا ولا هنديا أوربيا، والعرب هم الذين هذبوا ذوقهم اللغوي، ورفعوا مستواهم الأدبي فمكنوهم من خلق ملكة أدبية.