للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لغتهم السريانية إلا أن السريان لم ينهضوا بما ترجموا، ولم تتفتق هذه الترجمات وتلك العلوم عندهم عن حركة علمية أو نهضة ثقافية عالمية.

كما أن هذه النهضة العلمية لم تنبعث أيضًا في إيران التي كانت ملتقى الثقافات الصينية والهندية واليونانية، فقد استقبلت إيران كل هذه الثقافات ولم تطورها بالرغم من أن بيئتها الطبيعية وحالتها الاقتصادية ومستواها الثقافي تساعد على هذا التطور. لكن الملاحظ أن العقلية الإيرانية لم تنتج ولم تتطور ولم تنهض إلا عندما وجدت بيئة أخرى وخضعت لمؤثرات ثقافية خاصة.

ليست بيزنطة وليست بلاد السريان وليست إيران التي كانت القنطرة التي تصل بين الثقافتين الشرقية والغربية ليست جميع هذه البلاد هي التي ظهرت على المسرح الثقافي العالمي كحاملة لمشعل الثقافة القديمة ومكملة لها. أما الشعب الذي خلف الثقافة القديمة وحمل لواء النهضة العلمية الفكرية في العالم فهو شعب صحراوي خرج من الصحراء وبسرعة البرق قبض على صولجان السيادة الثقافية في العالم، وظل أبناء الصحراء حاملين لهذا الصولجان دون منازع مدة لا تقل عن ثمانية قرون، كما أن هذه الثقافة العربية قد تفتقت وازدهرت وأينعت أكثر من الثقافة اليونانية، كما كان العرب أخصب وأقوى من اليونانيين.

فما هي خصائص العرب التي أهلتهم إلى هذا؟ ما هي صفاتهم وما هي مميزاتهم التاريخية والاجتماعية والعقلية والنفسية التي تجمعت معًا فجاءت العالم بالمعجزة العربية؟

وشن العرب حربًا خاطفة ساقت العالم في زمن قصير إليهم أسيرًا كسيرًا.

والعرب هم آخر موجة من موجات هجرات الشعوب التي حدثت في فترات متفاوتة منذ أبعد الأجيال والعصور متخطية حدود الصحراء إلى الأراضي الخصيبة، فكسر سد مأرب عام ٥٤٢ وضياع وسائل الري في بلاد العرب الجنوبية دفع القبائل إلى الرحيل وساعدهم على ذلك موقعهم بين شقي الرحى وتعرضهم للحروب الطاحنة التي كثيرًا ما شنت في بلادهم بين فارس وبيزنطة فاضطرت هذه الحروب القبائل العربية إلى الهجرة وترك القارة.

<<  <   >  >>