وقد صور بعض المؤرخين المغرضين هذه القبائل على أنها عصابات من اللصوص وقطاع الطرق، لكن الحقيقة غير هذا وما دفع هؤلاء المؤرخين إلى هذا الافتراء إلا الاختلاف العقائدي.
ولم يمض على هذه القبائل المتخاصمة المتحاربة زمن طويل حتى أصبحت وحدة قوية نجحت في تكوين أمة يخشى بأسها، وذلك بفضل الدين الإسلامي الحنيف الذي أشعل في نفوسهم الحماس والشعور بالأخوة بعد أن سادت بينهم الفرقة والحزازات القبلية زمنًا طويلًا؛ أما الإسلام فقد آخى بين معتنقيه وخلق منهم الأخوة الإسلامية التي رجعت بتاريخهم إلى عصور بعيدة، هذا إلى جانب الدعوة الإسلامية الخلقية والفرائض الدينية القوية التي آخت بين المسلمين وجمعت شملهم ووحدت صفوفهم؛ مما دفع المسلمين إلى التفاني والاستشهاد في سبيل نصرة هذه العقيدة والذود عنها، فقد وعدت هذه العقيدة الجديدة المتقين بالجنة، فهذه القوة الخلقية الفتية إلى جانب القيادة الحكمية القوية وهؤلاء الصحابة الذين اصطفاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كونوا النواة الصالحة لحكومة مركزية حكيمة رشيدة مسئولة عن الكيان الجديد للأمة العربية الإسلامية، وكان الجيش الإسلامي بالرغم من نقص عتاده مظفرًا في حروبه وفتوحاته فأحرز النصر تلو النصر.
ولما انتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام ٦٣٢ م إلى الرفيق الأعلى كانت بلاد العرب وحدة سياسية. ففي عام ٦٣٥ م تشتت شمل جيش بيزنطة، وبعد ذلك بعامين أعني سنة ٦٣٧ سقطت مصر. ولما اختار الله عمر بن الخطاب إلى جواره حلت فترة ركود، لكن في أواخر القرن السابع الميلادي كانت السيادة العربية قد بلغت شمال إفريقيا وامتدت حتى المحيط الأطلسي، وفي عام ٧١١ م بينما كان العلم الإسلامي ينتشر شرقًا مرفرفًا حتى الهند، انقض المحاربون المسلمون على دولة الغوط الغربية في إسبانيا واستولوا عليها بالرغم من قلة عدد المسلمين وعددهم بالنسبة لأعدائهم.
وعاون على ذلك عدم الإخلاص لروذريق وبغض رجال الدين له لاستبداده، وهكذا فتحت الأبواب للمسلمين وبدون معركة هامة استولى المسلمون عام ٧٢٠ على «ناربون» وعام ٧٢٥ على «كركاسون» و «نيمس»، واستمر المسلمون في زحفهم وتغلغلهم في اتجاه نهر الرون حتى بوردو.