وفي عام ٧٣٢ فقط استطاع «كارل مارتيل» أن يقف أمام هذه الجحافل المتدفقة ودارت عند «تور» و «بواتييه» معركة، وأثناء الليل عاد المسلمون أدراجهم ومعهم جثة قائدهم عبد الرحمن الذي سقط قتيلا وتحصنوا عند «ناربون» حتى اضطر «كارل مارتيل» بعد اثني عشر عامًا أن يشتبك مع المسلمين عند «أفينيوس» و «نيميس» دون أن ينجح في إجلائهم عن دولته، وذلك لأنه كان في إقليم «بروفينس» وغرب الألب وإقليم أكويتانيا، أي في البلاد التي نجد فيها فيما بعد حقلا خصيبًا للثقافة العربية ولمدة قرن من الزمان. وحتى في منتصف القرن العاشر نجد المسلمين يستجيبون لنداء الملك هوجر ملك اللومبارد، ويتقدمون في البلاد فيبلغون «أنجادين» حيث نجد «بونتر يزينا» و «بونس ساراسينا»، أي قنطرة المسلمين التي ما زالت إلى اليوم قائمة تحمل ذكرى أولئك الأجانب العظام.
ثم نجد العرب يتغلغلون في إيطاليا ولمدة قرنين وبقوة ونجاح، وقد بدا وكأن روما الأم لا بد أن تشاطر أسبانيا الهزيمة والضياع، فمن صقلية اندفع العرب حتى استولوا على إقليم «أبوليا» و «كالبريا» واستطاعوا تهديد روما والبندقية المنيعة، وكان هذا الزحف العربي استجابة لرغبة نابولي و «الجراف فون بنيفينت».
وقد ظل العرب حتى عام ٩١٥ يتناوبون السيادة على جنوب إيطاليا وجميع الجزر الواقعة في غرب البحر الأبيض المتوسط، هذا البحر الذي أصبح بحرًا عربيًا اللهم إلا الجزء الشرقي الذي كان خاضعًا لبيزنطة. نعم لقد ظل جذع الدولة الرومانية الشرقية قائمًا إلا أن أهم أغصانها أعني مصر وسوريا قد قلمت. . إن بيزنطة أصبحت رجلًا مريضًا لا يقوى على الحركة.
لكن هذه الفتوحات العربية كانت غريبة في نوعها حقًا، وإذا ما استثنينا الملك الفارسي «كيروش»، فالفتوحات الإسلامية كانت فتوحات لم يقصد المنتصرون من ورائها القيام بأعمال النهب والسلب أو العنف والتخريب وكل ما يذكر عن تعصبهم الأعمى أو قسوة قلوبهم وخشونة طباعهم وبربرية أعمالهم كذب وافتراء وهو يدخل في باب الأساطير التي تؤلف لإلقاء الرعب في نفوس الناس، وأنها دعاية من صنع أعداء العرب وخصومهم. ولا أدل على بطلان هذه الشائعات وتلك