«توماس فون أكوين» فقال: «إن أقل حظ من المعرفة المتصلة بالأشياء العليا يحصل عليه الإنسان أهم وأنفع من المعرفة والعلوم المتصلة بالأشياء الوضيعة الدنيئة»، فالتفكير اليوناني قد بدأ لدى المسيحيين وكأنه جدير بكل لعنة لذلك لم يكتف المسيحيون بالابتعاد عنه بل أخذوا على عاتقهم تخليص الإنسانية منه بالقضاء عليه وإبادته. لذلك اضطرت أوربا أن تبدأ من الأول بالثقافتين القديمة والهلّينية وقد بلغنا درجة الكمال. والذي وصل إلى الأديرة منسوخًا أو مجموعًا كان في حالة سيئة بحيث أصبح كافيًا فقط لأولئك الذين يرضون بهذه القلة الضئيلة. أما الآداب الشعبية فلم تستفد من هذا التراث شيئًا ولا سيما أنه امتداد أو مستمد من تلك العقلية التي انتهت إلى أولئك المعجبين. وبالرغم من هذا بدا للرؤساء حرمان رجال الدين والرهبان من قراءة هذه النصوص المتصلة بالأمور الوضعية. وفي عام ١٢٠٩ ذكر المجمع المقدس في باريس أن الرهبان يرتكبون أمهات الخطايا إذا ما قرأوا كتبًا تتصل بالعلوم الطبيعية. فهذه الأغلال التي ضربت حول العقول قضت على كل تفكير عقلي في مهده كما أنكرت على العقول القيام بأي نشاط مستقل، لذلك عوقته كما كذبت أي نشاط عقلي يتعارض وتعاليم الكنيسة.
والآن نستطيع أن نفهم وندرك كيف غطت أوربا قرابة ألف عام في نوم عميق، ثم مضت فترة أخرى حتى أفاقت من غفلتها وبدأت تنفض غبار النوم عنها، هذا مع ملاحظة أن العرب المسلمين سبقوا أوربا إلى هذه النهضة بنحو قرنين أو ثلاثة فنموها وهذبوها وطوروها، وأن عبارة «هيجل» الخاصة ببوم مينرفا التي تطير فقط عندما يحل الظلام تنطبق حقًا وتصدق على العلوم اليونانية إبان عصر التدهور اليوناني، وذلك في العصر الهلّيني، كما ينطبق هذا القول أيضًا على ألف عام التي قضتها أوربا في غياهب الجهالة. لكن فيما يتصل بالنهضة العربية فمثل عبارة «هيجل» لا تصدق حيث نجد، وبصفة استثنائية، العلوم ليست فاكهة متخلفة حملتها الشجرة بعد أوان الطرح.
لقد ظهرت هذه النهضة العلمية بغتة. وذلك بمجرد انقضاء القرن الأول