عباد يقتني مكتبة من مئتين وستة آلاف مجلد كما خلف أحد القضاة مليونًا وخمسين ألف مجلد، ولو أن هذه الأرقام مبالغ فيها، وأن لفظ مجلد قد يطلق على فصل مستقل، إلا أن المبالغة في ذكر هذه الأعداد تشير إلى مدى المفاخرة باقتناء الكتب والأهمية التي كان يعلقها القوم على اقتنائها؛ وهذا الغرام باقتناء الكتب حقيقة لا مراء فيها بدليل هذا الخبر الذي يروي عن أحد الوزراء، أنه لم يقم يومًا من الأيام برحلة ما دون أن ترافقه مكتبته وكانت حمولة ثلاثين جملا. وقد قلد القيصر فريدريش الثاني العرب في هواية الكتب وتشجيع العلم والعلماء، ولا غرابة في هذا فالقصير فريدريش الثاني هو تلميذ العرب في كل شيء فحتى في تنقلاته كان يحمل معه مكتبته على ظهور الإبل. ولدينا الآن سؤال آخر؟
أين اليوم المكتبات الخاصة التي تشتمل كل واحدة منها على ما يتراوح بين عشرين وثلاثين ألف مجلد، كما جمعها من قبل أمثال طبيب صلاح الدين الخاص المسمى ابن المطران ثم الصيدلي الشهير ابن التلميذ وكذلك ابن القفطي المؤرخ؟ ولا يفوتنا أن نذكر أن الكتب لم تكن تطبع في ذلك الحين بل كانت تنسخ والنسخ قد يستغرق الأشهر أو السنوات، فهي لم تكن رخيصة بل غالية، فابن الهيثم مؤسس علم البصريات تناول خمسة وسبعين درهمًا أجرًا لنسخ جزء من أويقليد، وقد عاش ابن الهيثم عامًا كاملًا ينفق من نصف هذا المبلغ. وابن الجزار الطبيب الرحالة المرح، أحد أبناء القيروان، خلف مائتين وخمسين قنطارًا من الرق الذي كتبه بيده، وهذا الرق هو جلد غزال. ويحكى عن طبيب آخر خبر لا يقبل شكًا من أحد من معاصريه، أن سلطان بخارى دعاه إلى قصره فرفض الدعوة لأن انتقاله إلى بخارى يضطره إلى الحصول على أربعمائة جمل لنقل مكتبته التي تزن حوالي عشرة آلاف كيلو جرام. كذلك يحكى عن عالم آخر توفي عن ستمائة صندوق كتب في مختلف العلوم الفنون، ويقال إن حمل كل صندوق كان يتطلب عددًا كبيرًا من الرجال. نعم إن الإنسان قد يجد عددًا قليلًا من العلماء الذين يحتاجون إلى مراجع علمية خاصة، فهؤلاء كانوا يوجدون في مختلف العصور، ولو أنهم كانوا أحيانًا قلة. لكن الأمر عند العرب كان على عكس ذلك، فهواة الكتب كانوا كثرة وكانوا