للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يوجدون بين سائر الطبقات وليس فقط بين العلماء. فكل متعلم من السياسي إلى تاجر الفحم، ومن قاضي المدينة إلى المؤذن خبير بالكتب وتجارتها. فالمكتبة المتوسطة الخاصة في القرن العاشر كانت تحتوي على كتب تفوق بكثير محتويات جميع مكتبات أوربا وقتذاك.

فالثراء لا يتم لشخص دون ملكيته لمكتبة غنية بالكتب النادرة القيمة، فقد ذكر مؤرخ عربي أنه لما كان في قرطبة وقعت له حادثة في سوق تجارة الكتب أغضبته، وذلك لأنه اعتاد أن يكثر من التردد على السوق لمشاهدة الكتب الحديثة وشراء ما قد يحتاج إليه فوجد مرة كتابًا أعجبه فعرض ثمنًا وعرض آخر ثمنًا أعلى، فقلت لمنافسي: أرجو الله أن يحافظ على سيدنا الطالب المجتهد، إذا كان لديك سبب قوي يحتم عليك شراء هذا الكتاب أتركه لك، وذلك لأن الثمن المعروض تخطى الحدود. فأجابه الرجل: لست طالبًا ولا أعرف محتويات الكتاب إلا أنني قد أسست حديثًا مكتبة رفعًا لمرتبتي بين مواطني، ووجد أن مكانًا خاليًا في المكتبة، وهذا الكتاب يملؤه. وعلاوة على هذا فخط هذا الكتاب جميل جدًا وهو يسرني كثيرًا كما أنه مجلد تجليدًا فاخرًا، لذلك لا يهمني الثمن الذي أدفعه فيه. فأجبته: إن الناس الذين هم مثلك لديهم الوسيلة لتحقيق رغباتهم «الجوز للذي لا أسنان له»!

نعم إن الذين لا أسنان لهم كثيرون، لذلك ستستمر هذه الحالة لا عشرات السنوات بل المئات، وهذا عنصر هام من عناصر الحياة الاقتصادية العربية، فقد كانت تجارة الكتب تكلف المجتمع العربي ملايين الملايين سنويًا، فالمكتبة النظامية لجامعة بغداد مثلا كانت ميزانيتها السنوية مليونين ونصف مليون فرنك ذهبي لشراء الكتب والمخطوطات، لذلك كانت الكتب مصدرًا من أهم مصادر الرزق لمئات الآلاف من البشر.

فالنساخ والخطاطون كانوا فنانين في مهنتهم فكل مكتبة وكل تاجر كتب يوظف لديه عددًا من هؤلاء الموظفين ومعظمهم من الطلبة الذين يريدون أن يكسبوا قوتهم اليومي أو من فقراء المتعلمين، ثم نحد صناع الورق في سمرقند وبغداد ودمشق

<<  <   >  >>