للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كانت تأتي عن طريق «أوستيا» إلى المدينة العالمية روما، وتنتهي في ميناء مرسيليا، هذه التجارة ازدادت ازهارًا وشقت طرقًا أخرى جديدة لم تعرفها من قبل، فعبرت الألب واخترقت بلاد الغال حتى «كمبراي»، ومن ثم أخذت تتغلغل حتى بلغت أواسط ألمانيا. نعم لم تصبح روما هي السيدة بل بيزنطة، ومما هو جدير بالذكر أن العالم القديم كان وقتذاك قد تصدعت جوانبه وانتابته العلل وإن بدا على مظهره صحيحًا قويًا.

ولعل أهم عامل من عوامل تقويض أوربا ظهور النبي العربي، والروح الجديدة التي بعثها الإسلام في العرب، فلم تمض أعوام قلائل إلا وكانت القبائل العربية تتدافع في موجات متلاحقة غامرة شواطئ البحار الأبيض المتوسط، ولا تقف عندها بل تواصل زحفها حتى تبلغ شواطئ المحيط الأطلسي. وهكذا نجد العرب ينتزعون شوق وجونب وغرب العالم القديم من هذه الحالة الجامدة الراكدة ويهيئون السكان لحياة أفضل بعد أن ظلوا قرابة ألف عام يتيهون في بوادي الجهالة والجمود. فانتصار الإسلام قسم العالم إلى شرق وغرب. شرق وثاب وغرب قابع، شرق حر طليق وغرب مكبل بالأغلال، أسدل على نفسه ستارًا كثيفًا واكتفى بحياة النسك الزهد والعزلة. أما الدولة العربية العالمية الجديدة فقد ثبتت أقدامها في الأقاليم المفتوحة. وللمرة الأولى في تاريخ العرب يظهرون على مسرح التاريخ كشرق يغلب الغرب على أمره فيختفي ويتوارى منطويًا على نفسه.

لقد نجح الإسلام فيما فشلت فيه الغزوات والهجرات الجرمانية، لقد فتت هذا الجمود الذي فرضه البحر الأبيض المتوسط قرونًا عديدة على هذا القسم من العالم، وهذا هو الحدث الهام في التاريخ الأوربي منذ الحروب البونية، إذ أغلق صفحة تاريخ العالم القديم وفتح الصفحة الجديدة صفحة العصور الوسطى في الوقت الذي كانت تتحول فيه أوربا إلى بيزبطة.

ومما زاد الطين بلة على أوربا وأسدل عليها الحجب الكثيفة التي حالت دونها ودون رؤية المنبثق من الشرق هذه الأوامر التي كانت تصدرها روما والقسطنطينية محذرة المسيحيين الأوربيين من زيارة مصر وسوريا. ولكن من حسن

<<  <   >  >>