ودونوها على ورق أبيض ناعم، وهذا هو أول ورق جاء إلى أوربا قبل أن تعرفه من قبل عن طريق إسبانيا بزمن بعيد. هنا قال الشعراء شعرهم في عروض لم يعرفه اليونان أو الرومان أو الجرمان. وهذا العروض الشعري غزا شعر سائر الشعوب الراقية.
وهكذا نجد جزيرة صقلية تصبح للعرب وطنًا، ولما انقض عليهم الأسد النورماني اعتقد كثيرون «أن نير العبودية المسيحية» لن ترضى به العرب وأن حنينهم إلى وطنهم الأول سيقتلهم، لقد حن العرب إلى ذلك الوطن البعيد حيث تشرق الشمس وترسل أشعتها دفئًا وحيوية وقوة وعطرًا للإنسان والحيوان والنبات، وكذلك أنواع البخور التي كانت تعطر أرجاء الجو فيتنفس الإنسان الهواء العليل الذي يطارد الهموم والأحزان.
وقد آلم العهد الجديد الذي حل بالجزيرة كثيرين من الشعراء أمثال عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الصقلي السرقوسي، فقد هاله ما جلب العهد الجديد على الجزيرة فرحل إلى أشبيلية، ومن شعره في ذلك:
ديار تمشيت إليها الخطوب .... كما تتمشى الذئاب الضراء
وقد جاء في هذه القصيدة التي مطلعها:
نفي هم شيبى سرور الشباب ... لقد أظلم الشيب لما أضاء
ويستطرد ابن حمديس في قصيدته ويقول:
وراءك بحر لي جنة ... لبست النعيم بها لا الشقاء
إذا أنا حاولت منها صباحًا ... تعرضت من دونها لي مساء
فلو أنني كنت أعطي المنى ... إذا منع البحر منها اللقاء
ركبت الهلال به زورقًا ... إلى أن أعانق فيها ذكاء
ولا تقف شكوى ابن حمديس ولا حنينه عند هذه الأبيات فديوانه يفيض