بالحسرة والألم والحنين، لكن بالرغم من ذلك يرغب في العودة إلى الوطن الذي يحتله الأجانب.
إن جروح ودموع أولئك الذين بقوا في الجزيرة قد نضبت وبخاصة بعد أن أصبح المنتصرون عبيدًا للمغلوبين، وتتلمذوا عليهم، وأقبلوا على تحصيل الثقافة والعلوم على أيديهم.
حقًا إن النورمانيين قد وجدوا أنفسهم في بيئة دينية جديدة ما كانت تجول بخاطرهم فكانوا أنى أداروا وجوههم لا يشاهدون إلا الجمال والأبهة وحياة أخرى أرفع وأرقى من تلك التي كانوا يحوينها، إنها حياة لا عهد لهم بها من قبل، هذا إلى جانب فن معماري أقرب إلى القصص منه إلى أي شيء آخر، هذا إلى لغة وشعر بلغا منزلة فنية عليا إلى جانب علم رفيع، لذلك لا عجب إذا وجدنا النورمانيين يؤخذون بهذه البيئة الجديدة ويقعون أسراها عن طيب خاطر.
ولماذا لا تؤثر البيئة الإسلامية في غير المسلمين، مهما اختلفت عقائدهم وأجناسهم متى سنحت فرص الاتصال بهم؟ ألم يحدث أن الفرسان المسيحيين، لما كانوا في البلاد المقدسة وبخاصة ملكهم «بلدوين» الأول، رفضوا الانصياع للعقلية الصليبية ولم تحل إنذارات البابا دون اقتباس عادات وتقاليد المسلمين أعدائهم في العقيدة، وبلغت درجة تأثر أولئك الفرسان المسيحيين وعلى رأسهم بلدوين بالمسلمين والإسلام أنهم حرموا على أنفسهم أكل لحم الخنزير كما التزموا أكل الطعام العربي ومراعاة كل ما هو عربي حتى العملة العربية والمحلاة بالآيات القرآنية الكريمة. لقد جاء الصليبيون «لمقاتلة أعداء الله» فحدث أنهم قلدوا المسلمين في كل شيء حتى إن المراسلين الذين كانوا في القدس والذين كان يسرهم أن ينشروا عنهم أنهم يحاربون في سبيل الله، قال أولئك المراسلون:«نحن الذين كنا أوربيين أصبحنا الآن شرقيين».
أما حكام صقلية الجدد فقد كانوا أسبق من غيرهم إلى اقتباس العادات والتقاليد والثقافة الإسلامية رغمًا من الاتفاقية المبرمة بينهم وبين البابا. وقد أسرف هؤلاء الحكام وغيرهم من سكان صقلية المسيحيين في التحلل من التقاليد المسيحية حتى