للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطقوس الكنيسة وشعروا بالسعادة عندما ساروا في طريق الأمراء العرب. لقد أقام أولئك الحكام المسيحيون في هذه القلاع العربية، فقصورهم تحيط بها الحدائق الغناء حيث تتدفق فيها الينابيع الصناعية، كما زخرفوا هذه القصور بالزخارف العربية والمياه المتحجرة في أعلى الكهوف والأقواس المدببة، ولم يترددوا في تسميتها بأسماء عربية وأن يدشنوها باسم الله الرحمن الرحيم:

بسم الله الرحمن الرحيم

قف ساكنًا وتأمل

عملا عظيمًا شامخًا

إنه ملك خير ملوك الأرض «فلهلم» الثاني.

إن الزاهد هو الذي ينصرف عن الثوب الحريري المهفهف إلى اللباس الصوفي الخشن الذي يؤلم الجسد بما يحدثه من حكة. وهذا الزاهد لن يقره أو يجاريه الأمراء والأميرات من بيت النورماني، فضلًا عن رغبة النورمانيين الملحة في الاندماج في هذه الحياة الناعمة الراقية التي تفيض على الحياة متعة ولذة وسعادة.

وهكذا أصبحنا ندرك أنه ليس من البدهي أن يخوض أولئك الأوربيون غمار حرب ضد أعداء عقيدتهم، ليس من البدهي أن يضحي الصليبيون بأرواحهم في القدس ودمياط، إن مثل هذه الحرب لا يمكن الاقتناع بوجوبها، وهكذا نجد وللمرة الأولى في تاريخ العالم المسيحي النورمانيين يقابلون التسامح العربي بتسامح آخر وفتوة سمحاء. وهذه الصفات رفعت من قدر النورمانيين وميزتهم على سائر الفاتحين المسيحيين، كما أن هذه الأخلاق وتلك المعاملة هي التي جعلت من دولتهم دولة ممتازة، كما أنه لم تزدهر في أوربا دولة أخرى ازدهار الدولة النورمانية.

فهل الأسباب التي دفعت النورمانيين إلى عدم تخريب وتدمير وتقتيل هؤلاء الوثنيين (! ! ) الذي خضعوا هي أسباب سياسية؟ أو هل اضطرت الظروف النورمانيين إلى معاملة العرب الذين كانوا يفوقونهم عددًا هذه المعاملة المعتدلة، والنورمان لم يعرفوا ولم يشاهدوا الفتوحات العربية والرعب الذي أدخلوه في

<<  <   >  >>