للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلوب الأوربيين؟ أو أن أسباب هذه المعاملة الحسنة للعرب سببها الفروسية التي اكتسبوها عن طريق الفتوة العربية التي اتخذها النورمانيون شعارًا لهم ومثالا يحتذى، هذه الفتوة التي قابلوها بكل احترام وتقدير؟

وكذلك الجرمان سرت فيهم الرغبة الملحة في معاملة الآخرين معاملة حسنة، ولتحقيق هذه الرغبة يجب أن يتحلوا بالشرف وكرم الأخلاق فأقبلوا على العرب وعاملوهم معاملة الند ونظروا إليهم على أنهم خصوم شرفاء، وقد ظلت هذه المعاملة الحسنة مجهولة لدى سائر الشعوب المسيحية الأوربية أو الصليبيين أو متطرفي الأسبان الذين استردوا بلادهم ثانية واعتبروا فيما بعد مثل هذه المعاملة على أنها من الغرائب. وإن الإنسان ليذكر عبارات عمرو بن العاص قبل الاستيلاء على الإسكندرية ومسلكه عندما يقرأ ما قاله وصنعه الأمير «روبرت جويسكارد» عند أبواب بالرمو حيث أباح للمسلمين والمحاصرين حرية العبادة وتأمين حياتهم وممتلكاتهم، وقد وفَّى بوعده حتى بعد الاستسلام. ويعجب الإنسان أيضًا من الجرأة التي اتصف بها أخو «روبرت جويسكارد» ألا وهو الأمير «روجير» الذي بلغت ثقته بالعرب حدًا جعله يكل إليهم حكم البلاد وإدارتها، وقد أعاد التاريخ نفسه بعد قرن من الزمان فحيث كنا نجد العرب المنتصرين يؤمنون خصومهم المهزومين، والذين لا يدينون بدينهم على أموالهم وأرواحهم وممتلكاتهم وعقائدهم، كذلك صنع روجر الأول فقد أمن المسلمين من رعاياه على أراضيهم وأرواحهم وممتلكاتهم وعقائدهم، ولو أن فارقًا وقع بين العصرين، أعني عصر انتصارات العرب وعصر انتصارات النورمان، وهذا الفارق هو أن المهزومين الآن لا يحاولون تقليد المنتصرين في حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، بل العكس هو الصحيح، فالآن نجد المنتصرين المسيحيين الذين يقلدون المسلمون ويحاولون الاندماج فيهم وائتلافهم، إن المسيحيين هنا يقلدون المسلمين فالمسلمون انتصروا أو انهزموا هم المثل الأعلى الذي يتحذى.

وإنه لمن أثر التعاليم الإسلامية هذا الذي يتفق وعقلية الملك الجرماني الملحد «ثيودوريش»، فقد كان يؤمن بالمذهب الإسلامي القائل: «لا إكراه في الدين» فحرم

<<  <   >  >>