بينما كان القيصر الأشتوفى في ألمانيا كريماً كرماً يشرف الدولة ويرفع من شأنها، ويغمر هيئات أخرى كثيرة ببعض الحقوق والامتيازات، فعم كرمه الأساقفة والأمراء والمدن والأديرة، إذ به في مملكته صقلية يفعل عكس هذا. لقد تجرأ وأتى بتجربة عظيمة أراد من ورائها في بروسيا دولة الطوائف أن تكون مثلاً يحتذى في كل أوربا، فقد أزال كل الأنظمة العتيقة البالية دون تردد أو شفقة وبسط المسائل المعقدة الملتوية والإجراءات العتيقة فنبه وأيقظ الغافل وكانت النتيجة المحتومة التي رمي إليها خلق دولة من الموظفين تجمعت فيها السلطات في يد الملك الذي فرض إرادته عن طريق موظفي الدولة على سائر طبقات الشعب. وهكذا نجد دولة الإقطاع تختفي وتقوم مقامها حكومة الفرد، حكومة مركزية، حكومة موظفين.
ولم يكن فريدريش هو الأول في التاريخ العالمي، وليس الإنسان في حاجة إلى ضرب الأمثال، فروما وبيزنطة خير من يقدم الأمثلة، ولكن هل ساهم العرب هنا أيضاً في خلق مثل هذا النظام؟
كما أننا نشاهد في الأبراج التي بناها فريدريش الثاني وفي سائر أبنيته الجديدة الأعمدة الرومانية البيزنطية، كذلك الحال في كيان الدولة النورمانية، فقد اقتبست التصميمات المعمارية العربية، وكذلك طريقة تشييد الحيطان العربية دون إدخال أي تعديل فيها وبذلك استطاع فريدريش مواصلة البناء دون صعوبة.
وحكم شعب غير متجانس الأصول والعقائد والتقاليد متمرد على الأوضاع القائمة التي خلقها نظام منذ ثلاثين عامًا؛ مما اضطر الحاكم إلى إيجاد نظام قوي حكومي من الموظفين. هذا مع إيجاد نظام حكم مطلق اقتبسه فريدريش من نظام حكومة السلطان الكامل، وعلاوة على ذلك كانت الأحاديث المتبادلة ليلا في الخيمة مع صديقه فخر الدين تتناول شتى المواضيع، فهي لم تعن بالفلسفة فقط بل عالجت أيضا تنظيم الدولة وإدارتها حسب الأنظمة العربية المتبعة. وقد أدرك فريدريش أن العرب قد نبغوا في دولتهم في خلق نظام إداري قوي، فسلاطين الفاطميين في مصر كانوا أيضاً سادة صقلية واشتهروا بأنظمتهم المالية. وفي الواقع أن الجراف روجر الأول قد اقتبس في دولته القائمة في الجزيرة نفس النظام الذي