مما دفع الخليفة الفاطمي المستنصر الذي اشتهر بصداقته للمسيحيين إلى تعيين قسم خاص من القدس لإقامة الحجاج والتجار المسيحيين.
وكانت قوافل السفن تقلع عادة من موانيها الأصلية في أوائل سبتمبر وتصل إلى الشرق بعد أربعة أو خمسة أسابيع، وفي الربيع تعود إلى موانيها الأصلية ثانية. أما الشتاء فكان التجار يقضونه في الشرق متنقلين بين فلسطين وسوريا وبغداد والخليج الفارسي أو يذهبون مباشرة إلى القاهرة والإسكندرية حيث توجد التوابل الجيدة التي ترد عن طريق البحر من الهند ومدغشقر وتدر على التجار الأرباح الطائلة لرخص النقل وقلة التكلفة، وهذا مما دفع الصليبيين فيما بعد إلى غزو فلسطين في مصر.
أما التجار الذين كانوا مقيدين بالعودة على ظهر السفينة التي أقلتهم إلى الشرق فكانوا ينتهزون فرصة وجودهم في البلاد العربية ذات الحضارة العالية والثقافة الرفيعة، وعند عودة التاجر يحمل معه كثيرًا من الأقمشة القطنية السورية والكتانية إنتاج مصانع أنطاكية، وبضائع زجاجية وأخرى من القيشاني صناعة مدينة صور، ومختلف أنواع السكر في حقائب من صنع طرابلس الشام. هذا بالإضافة إلى الفلفل وجوز الطيب والكافور والكباب والبخور والمر والنيلة والعود وخشب الصندل والخشب البرازيلي وغيرها من الأصناف التي كانت تزدحم بها الأسواق المصرية.
فالتجارة بين الشرق والغرب أعادت الصلات بين العالمين سيرتها الأولى، وبخاصة عندما قضت معركة المجر عام ٩٥٥ م في «ليشفيلد» على قبائل الغجر التي كثيرًا ما كانت تغير على القوافل التجارية وتعمل فيها سلبًا ونهبًا وتقتيلًا. أما الآن، بعد أن استب الأمن، فقد أخذت التجارة تتدفق عبر الألب وشجع على ازدهارها القيصر الذي منح السوق والنقود حقوقًا وامتيازات في جميع الأماكن الواقعة قبل الألب حول «بودينزيه» وأسافل حوض الرين، كما أصبح الطريق مفتوحًا لتصريف البضائع المخزنة في البندقية في شمال أوربا. لكن بينما كان الإيطاليون يحملون هذه البضائع إلى «بورجوند» وفرنسا والأراضي المنخفضة