للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذ يصبح من النادر رؤية أحدهم في ألمانيا، كما أخذ اليهود في الختفاء تدريجيًا كتجار جملة واكتفوا بتجارة التجزئة مهتمين بالتوزيع والصيرفة والربا والخيول والماشية والبضائع والملابس المستهلكة أو المستعملة، كما أخذ التاجر الألماني في الظهور عابرًا سان برنارد الكبير إلى سهل نهر ألبو متاجرًا في البضائع الشرقية.

لذلك كانت قبلة التجار الألمان جمهورية القديس مرقس (البندقية) وكانوا يصلون إليها قادمين من «كرنستنس» و «شافهوزن» و «رافينزبرج» و «ريجينزبرج» و «نيرنبرج» و «أوجبرج»، ثم «أولم» ومن «كولونيا» للاتجار في أثمن المنتجات الشرقية.

وقد بلغ عدد التجار الألمان من الكثرة بحيث إن حكومة البندقية أعدت لأولئك التجار القادمين عبر جبال الألب مكانًا خاصًا للاتجار والإقامة أسوة بما فعله من قبل السلطان المصري للتجار المسيحيين في الإسكندرية حيث أوجد لهم الفنادق الخاصة. وقد أخذت البندقية عن العرب والعربية هذا اللفظ وأطلقته على الأبنية المشابهة فنجد الفندق الذي كان مخصصًا في البندقية للتجار الألمان يسمى «فندق دي تيديشي»، وهو يحتوي على ستة وخمسين سكنًا بالأسرة عدا أماكن الراحة والاستقبال والأماكن الأخرى للمواشي. وكان في هذا الفندق فرن خاص لصناعة الخبز وحوانيت للصناعات الضرورية المختلفة، كما زود بمخازن للبضائع وأماكن للبيع خاصة بهذه الجالية الصغيرة المستقلة.

ولا غرابة في هذا فالبندقية كانت المحطة النهائية التي يبلغها هذا القطار التجاري. وهنا فقط استطاع التاجر «كونراد إيسفوجل» وهو أحد أبناء مدينة «نيرنبرج» الإقامة حيث يبيع بضائعه النحاسية والحديدية والفراء والأقمشة البرابنتية. وفي البندقية كان يدفع الضرائب المستحقة وقد أخذ هذا النظام عن العرب وكان يشرف على جميع هذه الإجراءات الموظف المعروف باسم السمسار، وهو الخبير في تثمين البضاعة وتحديد سعرها، وفي حضور هذا المثمن الرسمي كان التاجر الألماني يدفع الثمن المتحصل في بضائع أخرى، وبخاصة التوابل، والعقاقير المختلفة، والأقمشة، والثياب المزخرفة بالحرير والخيوط الذهبية.

<<  <   >  >>