للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شكل هندسي لبناء قائم الزوايا أو مكعب، كما أن شكله الخارجي غير جذاب ومهمل وحيطانه ملساء عارية من الزخرفة تشبه حيطان حصن من الحصون أو مصنع أو قصر حاكم. وفي الداخل فقط نجد بعض الزخارف. أما الأعمدة الداخلية فقد يبلغ عددها خمسة عشر عموداً، كما أنه يشتمل على كثير من العقود حيث يركع المسلم غير مقيد بعقد خاص أو مذبح، وهذا يتفق وتعاليم الإسلام الذي لا يميز بين طبقة وطبقة. فالمحراب في المسجد غير المذبح، فالمحراب يبين فقط اتجاه المصلين حيث نجد العالم يقف إلى جوار السقاء والقائد إلى جوار الجندي، كما نجد الإمام في ملابسه العادية يؤم المصلين مثله مثل ماسح الأحذية وسائر الأفراد، يركع ويسجد ويقوم بسائر الفروض الدينية.

فهذه الخصال الشعبية حقاً تتمثل في المسجد كما تتمثل في أي بناء آخر فالمسجد إذا ما أريد تكبيره اتسع أفقياً لا علوياً. وبقدر عدم اكتراث العربي بالبناء الخارجي ومظهره إذ به يهتم اهتماماً كبيراً بالزخرفة الداخلية.

إن المسجد لا يعني البتة برقصات المعبد أو الأغاني أو الصور أو البخور أو بعض المظاهر المغرية للتأثير في المسلمين لتنقلهم من ملاذ الدنيا، وعن طريقها، إلى ملاذ الآخرة، بينما نجد الكاتدرائية الغوطية تحول الشيء غير المحسوس محسوساً وتتفنن في هذا بخلاف الإسلام الذي يحول الماديات إلى روحانيات. إن الصحراء الجرداء التي لا شيء فيها تخلق من العربي شخصاً لا يؤمن بالماديات إيمانه بالمعنويات، فالعربي يحول المادية إلى معنوية إلى رياضة. إن طبيعة الصحراء ذات النمط الواحد تكرار وتكرار لهذا النمط الذي يتراءى في الهواء لا عمق له، لا أبعاد له، لأن هذا النور الذي يغمر الصحراء قد يقضي على الأبعاد والانعكاسات ويقرب البعيد في الأفق وغير ذلك.

كذلك لا نجد في المسجد شيئاً مادياً أو محسوساً، ولا شيء فيه يؤثر في الإنسان بل يؤثر في غير المرئي الكائن في كل عصر ومكان، ولا يتصف بصفات الإنسان أو الكائنات الطبيعية، إنه واحد في نفسه وليس كائناً آخر يشبهه وهو موجود في نفسه.

<<  <   >  >>