للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتتفق مع الفن العربي في هذه الخاصية زخرفة الحيوان في الفن الجرماني النورماني، فإن هذا الفن يجرد جسم الحيوان من إحساسياته حتى يحوله إلى مجرد حركات أو خطوط ويربط بينها حسب قواعد النغم، فهذا الشبه الظاهري بدين به الفن العربي، وهو يتفق في هذه الظاهرة مع الفن الجرماني أو الأوربي عديم الصورة، الذي يعرض إلى تجسيد وتصوير الكائنات غير الأرضية، وقد أقبلت عليها أوربا واستخدمتها في الزخرفة. وفي المجال الواسع للفنون الأوربية وبخاصة في الزخرفة التي ظهرت في عصر النهضة تشرع أوربا تلعب دورها الهام.

وقد أخذت أوربا أيضاً الزخرفة العربية للكتابة، وذلك لأن الفن العربي قد امتد إلى الكتابة فاتخذها مادة للزخرفة سواء كانت خطوطاً أو آيات قرآنية حيث تعبر عن الأشياء المجردة أو المواضيع غير المجسدة، كما استخدم الأفقية منها في الزخرفة وذلك باستخدامها كخيوط ذهبية ممتدة على الحيطان والأعمدة في القصور والمساجد. وهذا مظهر من مظاهر الرغبة في التجرد من الحساسية وهذه خاصية من خواص العقلية الإسلامية وهي ليست جديدة في العقلية الشرقية. لذلك لم يجد القرآن ضرورة لإصدار حكم بخصوصها.

أما ما يقال عن تحريم الصور، فالقرآن لم ينص على هذا التحريم إلا في هذه الآية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} [المائدة: ٩٠]، وأما فيما يتعلق بتصوير الكائنات الحية فلم يعرض له القرآن، وفي العصور المتأخرة فقط استنكر الفقهاء التصوير لأنه تقليد لله أو تشبه بالخالق. لكن تحريماً لتصوير الأشكال لم يرد ذكره في القرآن الكريم. ففي العصور المختلفة سواء في صدر الإسلام أو بعده، نشاهد كثيراً من الصور التي تزين الأسقف والحوائط في القصور كما تزين بها الموائد في الولائم كما نجد تماثيل السباع تحت صحون النافورات أو تقذف المياه في الأطباق الرخامية. وفي قلعة الصخرة بالقرب من قرطبة نجد في قاعة نوم الخليفة. حيث يقع نظره عندما يستيقظ. نافورة خضراء وحولها اثنا عشر حيواناً من الذهب الخالص ترقص. فنحن نرى أسداً وغزالاً وتمساحاً وثعباناً ونسراً وفيلاً وحمامة وصقراً ودجاجة وديكاً وحدأة وبازاً.

<<  <   >  >>