للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واضحاً في العقود ذات أوراق العشب أو المدببة التي أحبها العرب لميلهم الفطري إلى الرياضة إلا أنها في الفن الغوطي تلعب دوراً هاماً، وهذا الفن يستخدمها في زخرفة الحوائط. ومع العقد المدبب جاءت أيضاً النافذة، وبفضل الأثر الفني الساساني ظهرت النافذة المستديرة في الفن الغوطي.

وفي القرن التاسع الميلادي حدث تجديد في الفن العربي فنجد حزمة من الرماح تظهر في زوايا الأعمدة وهي هامة جداً في فن المعمار الغوطي وبخاصة في القباب. ومن القاهرة عن طريق إيطاليا جاءت إلى السقف الغوطي زخرفة القباب. والمآذن الإسلامية التي امتازت بقيامها على قواعد مربعة، ثم أصبحت مثمنة ثم تطورت إلى دائرة هي التي كونت في الفن الغوطي برج الناقوس.

والآن نتساءل: هل الفن الغوطي يتكون غالباً من كثير من عناصر الفن العربي؟ إن الذي يريد أن يصدر مثل هذا الحكم تفوته الحقيقة القائلة: إن المواد الأولية ليست هي التي يتكون منها الفن بل الترتيب والتنظيم هما في الواقع العنصر الخالق في الفن وهو الذي يصنعه وينوب عنه. إنها الاستعارة العقلية سواء كانت عن طريق الأفكار الدينية أو الدنيوية أو سواء كانت من ناحية معمارية أو شعرية أو علمية، ولا أدل على هذا من العقد المدبب وما تستفيده منه. إن الفن والاستعارة الفنية ليست فيما يستعيره الشعب بل هي الطريقة التي يستفيد بها من العنصر الذي يستعيره وكيف يشكل هذا العنصر وطريقة استغلاله. فهذه الوسيلة هي في الواقع العامل الرئيسي الخالق. أما طريقة الخلق والتكوين فهي التي تحدد القطعة الفنية وتعينها؛ لأن العبقرية الخالقة لا تقتبس كل شيء بل تختار من بين ما يروقها ما يساعدها على خلق نموذج فني ممتاز.

والتبادل الثقافي ظاهرة موجودة عند كل الشعوب ولا يمكن الشك في أن أي شعب لن يستطيع أن يتجنب هذا التبادل. والاقتباس لا يضير الشعب أو يحط من مكانته ومكانة فته طالما لا يفنى هذا الشعب ويذوب أو يتلاشى فنه في فن شعب آخر. وهذه الحقيقة ندركها في الفن الغوطي وفي أوربا، لذلك ليس من العدالة أن ننكر هذه الظاهرة على العروبة والإسلام. والملاحظ أنه سواء في الفن أو العلوم

<<  <   >  >>